للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذى هو ثمن الإبل وغير الإبل أحقّ بالصون، وقد قضوا بأن حفظ المال أشدّ من جمعه، ولذلك قال الشاعر:

وحفظك مالا قد عنيت بجمعه ... أشد من الجمع الذى أنت طالبه

ولذلك قال مشترى الأرض لبائعها حين قال له البائع: دفعتها إليك بطيئة الإجابة، عظيمة المئونة (١)، قال (٢) دفعتها (٣) إليك بطيئة الاجتماع، سريعة التفرق، والدرهم هو القطب الذى تدور عليه رحى الدنيا. واعلم أن التخلص من نزوات الدرهم وتقلّبه من سكر الغنى وتفلّته شديد (٤)، فلو كان إذا تفلّت كان حارسه صحيح العقل سليم الجوارح لردّه فى عقاله، ولشدّه بوثاقه، ولكنا وجدنا ضعفه عن ضبطه بقدر قلقه فى يده (٥)، ولا تغترّ بقولهم: «مال صامت (٦)» فإنه أنطق من كل خطيب، وأنمّ من كل نمّام، فلا تكترث بقولهم: «هذين الحجرين (٧)» فتتوهّم جمودهما وسكونهما وقلة ظعنهما وطول إقامتهما، فإنّ عملهما وهما ساكنان، ونقضهما للطبائع وهما ثابتان، أكثر من صنيع السّمّ الناقع، والسّبع العادى، فإن كنت لا تكتفى بصنيعه (٨) حتى تمدّه، ولا تحتال فيه حتى يحتال له، فالقبر خير لك من الفقر، والسجن خير لك من الذّلّ.

وقولى هذا مرّه يعقب حلاوة الأبد، فخذ لنفسك بالثّقة (٩)، فقولك الماضى حلو


(١) الضمير فى دفعتها يعود للأرض أى أنها لا تثمر إلا بعد مدة وهى تحتاج إلى نفقات كثيرة حتى تثمر.
(٢) الضمير فى قال يعود للمشترى.
(٣) الضمير فى دفعتها يعود للدراهم وهى ثمن الأرض.
(٤) تقلب الدرهم: انتقاله من يد إلى يد، ويكون أكثر تقلب الدرهم بسبب الاغترار بالغنى: أى أن رياضة الدرهم ومنعه من التقلب والفرار عند ما تدرك صاحبه نشوة الغنى والاستهانة بالمال ليست بالأمر الهين.
(٥) أى أننا شاهدنا ضعف مالك الدرهم عن حبسه مساويا لقلق الدرهم ورغبته فى الفرار.
(٦) المال الصامت: الذهب والفضة ونحوهما، والمال الناطق: الحيوان.
(٧) نصبه على تقدير: اجمع هذين الحجرين مثلا، وهما الذهب والفضة.
(٨) الضمير فى صنيعه يعود إلى الدرهم، وحتى تمده: أى تساعده على التفلت.
(٩) أى حصن نفسك بالثقة بهذا القول.

<<  <  ج: ص:  >  >>