للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخذ فيما تعلم، ودع نفسك مما لا تعلم، هل رأيت أحدا قطّ أنفق مآله على قوم كان غناهم سبب فقره أنّه سلّم (١) عليهم حين افتقر فردّوا عليه، فضلا على غير ذلك (٢)؟

أولست قد رأيتهم بين محمّق ومحتجب عنه، وبين من يقول: فهلّا أنزل حاجته بفلان الذى كان يفضّله ويقدّمه، ويؤثره ويخصّه؟ ثم لعلّ بعضهم أن يتجنّى عليه ذنوبا ليجعلها عذرا فى منعه، وسببا إلى حرمانه، قال الله جل ذكره: «يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٣)» فأنا القائم عليك بالموعظة والزجر والأمر والنهى، وأنت سالم العقل والعرض، وافر المال، حسن الحال، فاتّق أن أقوم غدا على رأسك بالتقريع والتعيير، وبالتوبيخ والتأنيب، وأنت عليل القلب، مختلّ العرض، عديم من المال، سيىء الحال، ليس جهد البلاء (٤) مدّ الأعناق، وانتظار وقع السيوف، لأن الوقت قصير، والحسّ مغمور، ولكن جهد البلاء أن تظهر الخلّة (٥)، وتطول المدّة، وتعجز الحيلة، ثم لا تعدم صديقا مؤنّبا، وابن عمّ شامتله وجارا حاسرا (٦)، ووليّا قد تحوّل عدوا، وزوجة مختلعة (٧)، وجارية مستبيعة (٨)، وعبدا يحقرك، وولدا ينتهرك، فانظر أين موقع فوت الثناء من موقع ما عددنا عليك


(١) المصدر المؤول بدل من أحدا.
(٢) أى فضلا على الإيذاء والتشنيع وعدم الوفاء له.
(٣) سياق الآية الكريمة أن من استطاع أن يعمل شيئا ولم يعمله، أسف عند فوات الفرصة على عجزه عن عمله.
(٤) جهد البلاء: غاية ما تصل إليه المصيبة.
(٥) الخلة: الفاقة والحاجة.
(٦) الحاسر: المتلهف الحزين.
(٧) المختلعة: من دفعت إلى زوجها مالا فطلقها.
(٨) استباعه الشىء: سأله أن يبيعه إياه، والجارية المستبيعة: هى التى سألت سيدها أن يبيعها والسبب هنا فقره وضيق الحياة عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>