للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن» فانظر كيف تخرج الدرهم؟ ولم تخرجه؟

وقالوا: «شرّ من المرزئة سوء الخلف (١)» وقال الشاعر:

إن يكن ما به أصبت جليلا ... فذهاب العزاء فيه أجلّ

ولأن تفتقر بجائحة نازلة خير لك من أن تفتقر بجناية مكتسبة، ومن كان سببا لذهاب وفره، لم تعدمه الحسرة من نفسه، واللائمة من غيره، وقلة الرحمة، وكثرة الشماتة، مع الإثم الموبق والهوان على الصاحب، وذكر عمر بن الخطاب فتيان قريش وسرفهم فى الإنفاق، ومسابقتهم فى التبذير، فقال: «لخرقة (٢) أحدهم أشدّ علىّ من عيلته» يقول: إن إغناء الفقير أهون علىّ من إصلاح الفاسد:

ولا تكن على نفسك أشأم من خوتعة (٣)، وعلى أهلك أشأم من البسوس (٤)،


بذلك أم سماك، فقالت: يا مالك قبح الله الحياة بعد سماك، اخرج فى الطلب بأخيك، فخرج فى الطلب فلقى قاتل أخيه يسير فى ناس من قومه، فقال: من أحس لى الجمل الأحمر؟ فقالوا له- وعرفوه-: يا مالك له مائة من الإبل فكف، فقال لا أطلب أثرا بعد عين، فذهبت مثلا، ثم حمل على قاتل أخيه. فقتله، والمعنى:
لا آخذ الدية وهى أثر الدم وتبعته، وأترك العين يعنى القاتل.
(١) المرزئة: المصيبة، وسوء الخلف ما تخلفه من الجزع، أى إذا فقدت مالك كان جزعك على ضياعه أشد من ضياعه.
(٢) الخرقة: الحمق، وسوء التصرف فى الأمور. والعيلة: الفقر.
(٣) هو رجل من بنى غفيلة كجهينة دل كثيف (كزبير) بن عمرو التغلبى وأصحابه على بنى الزبان (بالفتح) الذهلى، لترة كانت له عند عمرو بن الزبان، فأتوهم وهم قد جلسوا على الغداء، فقال عمرو لا تشب الحرب يبننا وبينك، قال: كلا، بل أقتلك وأقتل إخوتك، قال: فإن كنت فاعلا فأطلق هؤلاء الفتية الذين لم يتلبسوا بالحروب، فإن وراءهم طالبا أطلب منى، يعنى أباهم، فقتلهم وجعل رءوسهم فى مخلاة، وعلقها فى عنق ناقة لهم يقال لها الدهيم (كزبير) فجاءت الناقة والزبان جالس أمام بيته، فبركت، فقال:
يا جارية هذه ناقة عمرو، وقد أبطأ هو وإخوته، فقامت الجارية فجست المخلاة فقالت: قد أصاب بنوك بيض نعام، وأدخلت يدها فأخرجت رأس عمرو أول ما أخرجت، ثم رءوس إخوته، فغسلها الزبان ووضعها على ترس وقال: آخر البز على القلوص، فأرسلها مثلا- والبز: القلوص- أى هذا آخر عهدى بهم لا أراهم بعده. وخبر أن خوتعة هو الذى دل على ولده، فأثخن فى بنى غفيلة حتى أبادهم- اقرأ المثل مطولا فى مجمع الأمثال ١: ٢٥٥.
(٤) هى البسوس بنت منقذ التميمية خالة جساس بن مرة قاتل كليب، والتى من أجلها نشبت حرب البسوس المشهورة بين بكر وتغلب- اقرأ المثل مفصلا فى مجمع الأمثال ١: ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>