للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى قومك أشأم من عطر منشم (١)، ومن سلّط الشهوات على نفسه، وحكّم الهوى فى ذات يده، فبقى حسيرا، فلا يلومنّ إلا نفسه، وطوبى لك يوم تقدر على قديم (٢) تنتفع به، وقال بعض الشعراء:

أرى كل قوم يمنعون حريمهم ... وليس لأصحاب النبيذ حريم

أخوهم إذا مادارت الكأس بينهم ... وكلّهم رثّ الوصال سئوم

فهذا بيانى لم أقل بجهالة ... ولكننى بالفاسقين عليم

وقد كان هذا المعنى فى أصحاب النبيذ أوجد (٣)، فأمّا اليوم فقد استوى الناس، قال الأضبط بن قريع لمّا انتقل فى القبائل فأساءوا جواره بعد أن تأذّى ببنى سعد.

«بكل واد بنو سعد».

خذ بقولى ودع قول أبى العاص، وخذ بقول من قال: «عشّ ولا تغترّ (٤)» ويقول من قال: «لا تطلب أثرا بعد عين» وبقول من قال: «املأ حبّك (٥) من أول مطرة، ودع ما يريبك إلى مالا يريبك، أخوك من صدقك، ومن أتاك من جهة عقلك، ولم يأتك من جهة شهوتك، وأخوك من احتمل ثقل نصيحتك فى حظك (٦)، ولم تأمن لائمته إياك فى غدك».


(١) ويقال: «أشأم من منشم» وكانت منشم امرأة عطارة تبيع الطيب، فكانوا إذا قصدوا الحرب غمسوا أيديهم فى طيبها وتحالفوا عليه أن يستميتوا فى تلك الحرب، ولا يولوا أو يقتلوا، فكانوا إذا دخلوا الحرب بطيب تلك المرأة يقول الناس: قد دقوا بينهم عطر منشم، فلما كثر منهم هذا القول سار مثلا، فمن تمثل به زهير بن أبى سلمى حيث يقول:
تدار كتما عبسا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقيل: إن منشم كانت امرأة تبيع الحنوط، وإنما سموا حنوطها عطرا فى قولهم: قد دقوا بينهم عطر منشم، لأنهم أرادوا طيب الموتى.
(٢) يراد بالقديم: المال المدخر، وفى النسخ «على قدم».
(٣) أى أكثر وجودا فيهم.
(٤) مثل يضرب فى الحث على الحيطة. وأصله أن رجلا أراد أن يفوّز بإبله ليلا، واتكل على عشب يجده فى الطريق، فقيل له: عش ولا تغتر «وفوّز بإبله: ركب بها المفازة».
(٥) الحب: وعاء كبير للماء.
(٦) أى فى سبيل سعادتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>