للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الآخر:

إن أخاك الصّدق من لم يخدعك ... ومن يضير نفسه لينفعك (١)

وقد قال عبيد بن الأبرص:

واعلمن علما يقينا أنه ... ليس يرجى لك من ليس معك

ولا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وعين من عقلك على طباعك، أو ما كان لك أخ نصيح، ووزير شفيق، والزوجة الصالحة عون صدق، والسعيد من وعظ بغيره، فإن أنت لم ترزق من هذه الخصال (٢) خصلة واحدة، فلا بدّ لك من نكبة موجعة، يبقى أثرها، ويلوح لك ذكرها؛ ولذلك قالوا: «خير مالك ما نفعك» ولذلك قالوا: «لم يذهب (٣) من مالك ما وعظك».

إن المال محروص عليه، ومطلوب فى قعر البحار، وفى رءوس الجبال، وفى دغل الغياض (٤)، ومطلوب فى الوعورة كما يطلب فى السّهولة، وسواء فيها (٥) بطون الأودية، وظهور الطرق، ومشارق الأرض ومغاربها، فطلبت بالعز، وطلبت بالذل، وطلبت بالوفاء، وطلبت، بالغدر، وطلبت بالنّسك كما طلبت بالفتك، وطلبت بالصدق كما طلبت بالكذب، وطلبت بالبذاء، وطلبت بالملق، فلم تترك فيها حيلة ولا رقية


(١) يقال: هذا الرجل الصدق بالفتح، فإذا أضفت إليه كسرت الصاد، وقوله لم يخدعك بنصب الفعل بعد لم، قال صاحب المغنى: «وزعم اللحيانى أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم «أَلَمْ نَشْرَحْ» وقوله:
فى أى يومى من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر
وخرجا على أن الأصل نشرحن ويقدرن ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها، وفى هذا شذوذان: توكيد المنفى بلم، وحذف النون لغير وقف ولا ساكنين، اهـ. وربما كان الأصل «من لن يخدعك» ويضير نفسه: يضرها، والمثل فى مجمع الأمثال «إن أخا الهيجاء من يسعى معك، ومن يضر نفسه لينفعك» يضرب فى المساعدة.
(٢) أى الخصال التى ذكرت آنفا، وهى أن يكون له واعظ من نفسه الخ.
(٣) ويروى «لم يضع» وهو مثل لأكثم بن صيفى، قال المبرد: أى إذا ذهب من مالك شىء فحذرك أن يحل بك مثله، فتأديبه إياك عوض من ذهابه.
(٤) الدغل: الشجر الكثير الملتف. والغياض: جمع غيضة بالفتح، وهى الأجمة ومجتمع الشجر.
(٥) فيها: أى فى الأموال، والمراد فى طلبها، فهى مطلوبة فى بطون الأودية الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>