للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى طلبت بالكفر بالله، كما طلبت بالإيمان، وطلبت بالسّخف كما طلبت بالنّبل، فقد نصبوا الفخاخ بكل موضع، ونصبوا الشّرك (١) بكل ربع، وقد طلبك من لا يقصّر دون الظفر، وحسدك من لا ينام دون الشّفاء.

وقد يهدأ الطالب الطّوائل (٢) والمطلوب بذات نفسه، ولا يهدأ الحريص، يقال:

إنه ليس فى الأرض بلدة واسطة (٣)، ولا بادية شاسعة، ولا طرف من الأطراف، إلا وأنت واجد بها المدينىّ والبصرىّ والحيرىّ، وقد ترى شنف (٤) الفقراء للأغنياء، وتسرّع الرغبة إلى الملوك، وبغض الماشى للراكب، وعموم الحسد فى المتفاوتين، وإن لم تستعمل الحذر، وتأخذ بنصيبك من المداراة، وتتعلّم الحزم، وتجالس أصحاب الاقتصاد، وتعرف الدهور ودهرك خاصّة، وتمثّل لنفسك الغير (٥) حتى تتوهّم نفسك فقيرا ضائعا، وحتى تتهم شمالك على يمينك، وسمعك على بصرك، ولا يكون أحد أتهم (٦) عند نفسك من نفسك، ولا أولى بأخذ الحذر منه من أمينك، اختطفت اختطافا (٧)، واستلبت استلابا، وذوّبوا مالك وتحيّفوه (٨)، وألزموه السّلّ ولم يداووه، وقد قالوا: «بلى المال ربّه وإن كان أحمق» فلا تكوننّ دون ذلك الأحمق، وقالوا: «لا تعدم صناع ثلّة (٩)» فلا تكوننّ دون تلك الصناع، وقد قال الأول فى المال المضيّع المسلّط عليه شهوات العيال: «ليس لها راع، ولكن حلبة (١٠)».


(١) الشرك: حبائل الصائد، واحدته شركة كقصبة، ويجمع على شرك كعنق نادرا.
(٢) الطوائل: جمع طائلة، وهى الثأر.
(٣) أى متوسطة.
(٤) شنف له شنفا كفرح: أبغضه وتنكره.
(٥) حوادث الدهر المغيرة.
(٦) أى أكثر إتهاما، من أتهمه كأكرمه إذا اتهمه.
(٧) فى بعض النسخ «واحتفظت احتفاظا».
(٨) أى تنقصوه، من حيفه. والحيف كعنب جمع حيفة بالكسر: وهى الناحية.
(٩) امرأة صناع اليدين: حاذقة ماهرة بعمل اليدين. والثلة: الصوف تغزله المرأة، مثل يضرب لمن إذا عدم عملا أخذ فى آخر لحذقه وبصيرته.
(١٠) الحلبة: جمع حالب، مثل يضرب للرجل يؤكل وليس له من يبقى عليه، وفى النسخ «خلية».

<<  <  ج: ص:  >  >>