للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوقّى الذى أمر الله به، وأين التغرير الذى نهى عنه؟ ومن طمع فى السلامة من غير تسلّم (١)، فقد وضع الطمع فى موضع الأمانىّ، وإنما ينجز الله الطمع إذا كان فيما أمر به، وإنما يحقّق من الأمل ما كان هو المسبّب له، وفرّ عمر من الطاعون فقال له أبو عبيدة: «أتفرّ من قدر الله؟ » قال: «نعم إلى قدر الله» وقيل له: «هل ينفع الحذر من القدر؟ » فقال «لو كان الحذر لا ينفع لكان الأمر به لغو» فإبلاء العذر (٢) هو التوكل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل قال فى خصومة: حسبى الله:

«أبل الله عذرا، فإذا أعجزك أمر فقل: حسبى الله».

وقال الشاعر:

ومن يك مثلى ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كل مطرح

ليبلى عذرا أو ليبلغ حاجة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح

وقال الآخر:

فإن يكن القاضى قضى غير عادل ... فبعد أمور لا ألوم لها نفسى

وقال زهير البابىّ (٣): «إن كان التوكل أن أكون متى أخرجت مالى أيقنت بالخلف، وجعلت الخلف ما لا يرجع فى كيسى، ومتى ما لم أحفظه أيقنت بأنه محفوظ، فإنى أشهدكم أنى لم أتوكل قطّ، إنما التوكل أن تعلم أنك متى أخذت بأدب الله تتقلب فى الخير فتجزى بذلك إما عاجلا وإما آجلا» ثم قال: فلم تجر أبو بكر؟

ولم تجر عمر؟ ولم تجر عثمان؟ ولم تجر الزبير؟ ولم تجر عبد الرحمن (٤)؟ ولم علّم عمر الناس يتجرون، وكيف يشترون ويبيعون؟ ، ولم قال عمر: «إذا اشتريت جملا


(١) المراد بالتسلم هنا: الأخذ بأسباب السلامة والعمل لها.
(٢) إبلاء العذر: تقديمه، وكل من لم يقصر فى عمل شىء ولم ينجح فيه فقد أبلى عذرا.
(٣) قال ياقوت فى معجم البلدان ٢: ١٣ وينسب إلى باب الابواب جماعة منهم زهير بن نعيم البابى وفى بعض النسخ «الثانى» وهو تصحيف.
(٤) أى عبد الرحمن بن عوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>