للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت قد مدحته عند الناس، ولو قلت: «إنه كيّس» كنت قد قصّرت به عن وصفه، وصغّرت من قدره، إلا عند أهل العلم باللغة، لأن العامة لا تلتفت إلى معنى الكلمة إلا إلى حيث جرت منها العادة فى استعمالها فى الظاهر، إذ كان استعمال العامة لهذه الكلمة مع الحداثة والغرّة وخساسة النفس وصغر السّنّ، وقد روينا عن علىّ رضى الله عنه أنه تبجّح (١) بالكيس حين بنى سجن الكوفة فقال فى ذلك:

أما ترانى كيّسا مكيّسا ... بنيت بعد نافع مخيّسا (٢)

* حصنا حصينا وأمينا كيّسا (٣) *

وقال الشاعر:

«ما يصنع الأحمق المرزوق بالكيس، ونعلم أن الصلاة رحمة، غير أنهم قد حرّموها (٤) إلّا على الأنبياء، كذلك روى عن ابن عباس رضى الله عنه، وسمع سعد بن أبى وقّاص أخاله يلبّى ويقول فى تلبيته: «لبّيك يا ذا المعارج (٥)» فقال:

نحن نعلم أنه ذو المعارج، ولكن ليس كذلك، كنا نلبى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما كنا نقول: لبّيك اللهمّ لبّيك» وكان أبو إبراهيم المزنىّ قال فى بعض


(١) تبجح بالشىء: إذا فخر به، وفى العقد «أنه تسمى بالكيس».
(٢) الكيس المكيس. الظريف والمعروف بالكيس، والمخيس بكسر الياء المشددة وفتحها:
السجن، لأنه يخيس المحبوسين أى يذلهم، أو هو موضع التخييس، واسم سجن بناه على رضى الله عنه بالكوفة، وكان أولا بنى سجنا بها سماه نافعا، وكان غير مستوثق البناء- وكان من قصب- فكان المحبوسون يهربون منه، وقيل إنه نقب وأفلت منه المحبسون، فهدمه على وبنى لهم المخيس من مدر، وجاء فى شفاء الغليل ص ١٠٩: «ولم يكن فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم سجن، وكان يحبس فى المسجد أو فى الدهليز حيث أمكن، فلما كان زمن سيدنا على رضى الله عنه أحدث السجن، وكان أول من أحدثه فى الاسلام، وسماه نافعا ولم يكن حصينا، فانفلت الناس منه، فبنى آخر وسماه مخيسا وقال فيه .... ».
(٣) فى الأصل «وأميرا» وفى اللسان والقاموس والشفاء «وأمينا».
(٤) فى العقد «كرهوا الصلاة».
(٥) المعراج بكسر الميم والمعرج بكسرها وفتحها: السلم. والمرقاة، بالكسر والفتح أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>