للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما خاطب به داود بن خلف الأصبهانى: «وإن قال كذا فقد خرج عن الملّة، والحمد لله» فنقض ذلك عليه داود، وقال فيما رد عليه: تحمد الله على أن تخرج امرا مسلما من الإسلام! هذا موضع استرجاع، وللحمد مكان يليق به وإنما يقال فى المصيبة:

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ».

فامتثلّ هذه الرسوم والمذاهب، واجر على آدابهم، فلكلّ رسوم امتثلوها، وتحفّظ فى صدور كتبك وفصولها، وافتتاحها وخاتمتها، وضع كل معنى فى موضع يليق به، وتخيّر لكل لفظة معنى يشاكلها، وليكن ما تختم به فصولك فى موضع ذكر الشكوى بمثل: «والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل» وفى موضع ذكر البلوى: «نسأل الله دفع المحذور، ونسأل الله صرف السوء» وفى موضع ذكر المصيبة بمثل «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» وفى موضع ذكر النعم بمثل: «والحمد لله خالصا، والشكر لله واجبا» فإنها مواضع ينبغى للكاتب تفقّدها، فإنما يكون كاتبا إذا وضع كل معنى فى موضعه، وعلّق كل لفظة على طبقها من المعنى، فلا يجعل أول ما ينبغى له أن يكتب فى آخر كتابه فى أوله، ولا أوله فى آخره، فإنى سمعت جعفر بن محمد الكاتب يقول: «لا ينبغى للكاتب أن يكون كاتبا، حتى لا يستطيع أحد أن يؤخر أول كتابه، ولا يقدّم آخره».

واعلم أنه لا يجوز فى الرسائل استعمال ما أتى فى آى القرآن، من الاقتصار والحذف، ومخاطبة الخاصّ بالعام، والعامّ بالخاص، لأن الله سبحانه وتعالى إنما خاطب بالقرآن قوما فصحاء، فهموا عنه جل ثناؤه أمره ونهيه ومراده، والرسائل إنما يخاطب بها قوم دخلاء على اللغة لا علم لهم بلسان العرب، وكذلك ينبغى للكاتب أن يتجنب اللفظ المشترك والمعنى الملتبس، فإنه إن ذهب الكاتب على مثل قوله تعالى: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها (١)» وقوله:


(١) تأويله: واسأل أهل القرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>