للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما لا يجوز فى الرسائل، وكرهوه فى الكلام أيضا، مثل قولهم: كلمت إياك وأعنى إياك، وهو جائز فى الشعر، قال الشاعر:

وأحسن وأجمل فى أسيرك إنه ... ضعيف، ولم يأسر كإياك آسر

وقال الراجز:

«إياك حتى بلغت إياك»

وإساءة النظم فى التأليف فى الشعر كثير.

وتكون الكلمة بشعة حتى إذا وضعت موضعها، وقرنت مع أخوانها» حسن حالها وراقت، كقول الحسن بن هانئ (١): «ذو خصر أفلت من كدّ البل (٢)» والكدّ كلمة قلقة لا سيّما فى الرقيق والغزل والتشبيب، غير أنها لمّا وقعت فى موضعها حسنت، كما أن اللفظة العذبة إذا لم توضع موضعها نفرت، قال الشاعر:

رأت عارضا جونا فقامت غريرة ... بمسحاتها قبل الظلام تبادره (٣)

فأوقع الجلف (٤) الجافى هذه اللفظة غير موقعها، وظلمها إذ جعلها فى غير مكانها، لأن المساحى لا تكون ولا تصلح للغرائر، وأين كان عن قول الشاعر:

غرائر، ما حدّثن يهدين أنسه ... فما فوقه منهن غير غرائر

حديث لو أنّ العصم تدعى به أتت ... ودون يد الفحشاء حدّ البواتر (٥)

فتخيّر من الألفاظ أرجحها وزنا، وأجزلها معنى، وأشرفها جوهرا، وأكرمها


والمحكك: الذى تتحكك به، والعذيق تصغير العذق (بالفتح): وهو النخلة، والمرجب الذى جعل له رجبة (كركبة) وهى دعامة تبنى حولها من الحجارة، وذلك إذا كانت النخلة كريمة وطالت تخوفوا عليها أن تنقعر من الرياح العواصف، وهو مثل، والمراد أنه رجل يستشفى برأيه وعقله.
(١) هو أبو نواس الشاعر العباسى المشهور.
(٢) ذو خصر: أى ذو ثغر خصر أى بارد، وفى الأصل «حضر» وهو تصحيف.
(٣) العارض: السحاب المعترض فى الأفق، والجون: الأسود (والأبيض أيضا، ضد) والمسحاة ما سحى به الطين، أى قشر وجرف، والغريرة: الشابة لا تجربة لها.
(٤) الجلف: الجافى.
(٥) أنسه: أى أنس الحديث، والعصم: جمع أعصم، وهو الوعل الذى فى ذراعيه بياض وسائره أسود أو أحمر، والباتر: السيف القاطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>