للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسبا، وأليقها فى مكانها، وأشكلها فى موضعها، وليكن فى صدر كتابك دليل واضح على مرادك، وافتتاح كلامك برهان شاهد على مقصدك، حيثما جريت فيه من فنون العلم، ونزعت نحوه من مذاهب الخطب والبلاغات (١)، فإن ذلك أجزل لمعناك، وأحسن لاتّساق كلامك، ولا تطيانّ صدر كلامك إطالة تخرجه عن حدّه، ولا تقصّر به عن حقه، ولو صوّر اللفظ وكان له حدّ، لوقفتك عليه، غير أنهم- فى الجملة- كرهوا أن يزيدوا صدور كتب الملوك على سطرين أو ثلاثة، وهذه إشارة لا تعبّر إلا عن الجملة من المقصود إليه، لأن الأسطر غير محدودة.

واعلم أن أول ما ينبغى لك، أن تصلح آلتك التى لا بدّ لك منها، وأدواتك التى لا تتمّ (٢) صناعتك إلا بها، وهى دواتك، فابدأ بعمارتها وإصلاحها (٣)، وتخيّر لها ليقة (٤) نقيّة من الشّعر والوذح، لئلا يخرج على حرف قلمك ما يفسد كتابك، ويشغلك بتنقيته، وخذ من المداد الفارسىّ خمسة دراهم، ومن الصّمغ العربى درهما، وعفصا (٥) مسحوقا نصف درهم، ورماد القرطاس المحرق درهمين، ثم تسحقها وتغربلها، وتجمعها ببياض البيض، ثم بندقها (٦) واجعلها فى الظّلّ، فإذا احتجت إليها أخذت منها مقدار حاجتك فكسرته وحشوت به دواتك، وإذا نقعته فى ماء السّلق حتى ينحلّ ويذوب ويختمر، ثم أمددت من مائه دوانك، كان أجود وأنقى.

ثم اختر بعد ذلك من أنابيب القصب الذى يصلح لكتابة القراطيس، أقله عقدا،


(١) فى العقد «وأفضل الكتب ما كان فى أول كتابه دليل على حاجته، كما أن أفضل الأبيات ما دل أول البيت على قافيته.
(٢) فى العقد «لا تثمر».
(٣) وفى العقد «فلينعم ربها إصلاحها» أى فليجد.
(٤) الليقة: الصوفة التى توضع فى الدواة، والوذح: ما تعلق بأصواف الغنم من البعر والبول. وفى الاصل «الودح» وهو تصحيف.
(٥) العفص: الذى يتخذ منه الحبر، مولد، وليس من كلام أهل البادية.
(٦) أى اجعلها بنادق، والبندق: الذى يرمى به واحدته بندقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>