للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنى أمية هم الذين كانوا أمروا كتّابهم فطرحوا ذلك من كتبهم، فجرت عادة الكتاب إلى يومنا هذا على ماسنّوه» وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا تجعلونى كقدح (١) الراكب، ولكن اجعلونى فى أول الدعاء وأوسطه وآخره» صلى الله عليه وعلى آله وسلّم أوّلا وأوسط وآخرا.

وأحبّ أن تجعل بدل الإشارة (٢) التراب؛ فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

«أتربوا كتبكم، فإنه أنجح للحاجة» ولا تدع التاريخ، فإنه يدل على تحقيق الأخبار وقربها وبعدها، وانظر إلى ما مضى من الشهر وما بقى منه، فإن كان الماضى أقلّ من نصف الشهر قلت: لكذا ليلة مضت من شهر كذا، وإن كان الباقى أقل من النصف قلت: لكذا أيضا بقيت، وقد قال بعض الكتاب: إن الماضى من الشهر تحصيه، والباقى لا تحصيه، لأنك لا تدرى: أيتمّ الشهر أو ينقص، وليس هذا بشىء، لأن تاريخ الكتاب ليس من الأحكام فى شىء، وما على الكاتب أن يكتب إلا بما ظهر وتبيّن لا بما يظن.

ولا تجعل سحاة (٣) كتبك غليظة إلا فى العهود والسجلات التى تحتاج إلى خواتمها وطوابعها؛ فإن محمد بن عيسى الكاتب كاتب آل طاهر أخبر عنهم أن عبد الله بن طاهر كتب إلى العراق فى إشخاص كاتب كان كتب إليه، فكتب وغلّظ سحاة كتابه، فردّ الكتاب إليه، فقدم عليه راجيا لبرّه وجائزته، فقال عبد الله بن طاهر: إن كان معك مسحاة (٤) فاقطع خزم كتابك وانصرف وراءك،


(١) معناه: لا تؤخرونى فى الذكر، لأن الراكب يعلق قدحه فى آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله خلفه، قال حسان بن ثابت يهجو أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
وأنت زنيم نيط فى آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
(٢) أشر الخشبة كقتل: شقها، لغة فى النون، والمئشار: المنشار، قال الشاعر:
* أنا شر لا زالت يمينك آشره*
فجمع بين لغتى النون والهمزة، فالأشارة هى النشارة الدقيقة التى تتخلف عن شق الخشب.
(٣) سحاة القرطاس: ما أخذ منه، وسحا القرطاس وسحاه: أخذ منه سحاة، أو شده بها، وسحا الكتاب وسحاه وأسحاه: شده بسحاة.
(٤) المسحاة: كالمجرفة إلا أنها من حديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>