للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك لا تعظّم الطّينة، ففى المثل: «من عظّم الطّينة فإنه مظلوم» ولا تطبعها إلا بعد عنواناتها، فإن ذلك من أدبهم (١)، وقد يجب عليك علم إلصاق القراطيس ومحوها، ولم أر شيئا فى إلصاقها ألطف من أن ينقع الصّمغ العربى فى الماء ساعة حتى يذوب، ثم يلصق به، وكذلك ماء الكثيراء والنّشاستج (٢)، ثم تطويه طيّا رقيقا، وتجعله فى منديل نظيف، ويرفع تحت وسادة حتى يجفّ. وأما محوها، فعلى قدر لطف الكاتب وتأنيّه، غير أنه ينبغى له أن لا يلقط السواد من القرطاس إلا بمثل الشمع المسخّن واللّبان الممضوغ، وما أشبههما، ثم يكون لفظه رويدا رويدا، كلما لقط جانبا حوّله إلى الجانب الآخر.

وأما قراءة الكتب المختومة والتلطّف لنقض خواتيمها، فمما لا نذكره خوفا من سفيه.

وأما تضمين الأسرار فى الكتب حتى لا يقرأها غير المكتوب إليه، ففيه أدب يجب معرفته، وقد تعلّقت العامّة بالمعمّى، قال الأصبهانى (٣): وكان أبو حاتم سهل ابن محمد قد وضع منه أشياء جليلة من تبديل الحروف تبديلا يخفى، وألطف من ذلك أن تأخذ لبنا حليبا فتكتب به فى قرطاس، فيذرّ المكتوب إليه عليه رمادا حارا من رماد القراطيس، فإنه يظهر ما كتبت به إن شاء الله، وإن كتبت بماء الزاج الأبيض وذرّ عليه العفص المدقوق بزاج، أو بماء العفص وذر عليه شيئا من الزاج، أو تنقع شيئا من وشّق (٤) ثم تكتب به، ثم نثرت عليه الرماد فإنه يظهر، وإن أحببته لا يقرأ بالنهار ويقرأ بالليل فاكتبه بمرارة السّلحفاة.

وإن حاولت صنعة رسالة أو إنشاء كتاب، فزن اللفظة قبل أن تخرجها بميزان


(١) فى الأصل «فإن ذلك مراد بهم» وهو تحريف.
(٢) هو النشا، فارسى معرب حذف شطره تخفيفا.
(٣) فى رسائل البلغاء: «تعلقت العامة بالقمى والأصبهانى» وهو تحريف.
(٤) الوشق والأشق كسكر: صمغ نبات.
(١٣ - جمهرة رسائل العرب- رابع)

<<  <  ج: ص:  >  >>