للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التصريف إذا عرضت، وعاير الكلمة بمعياره إذا سنحت، فربما مرّ بك موضع يكون مخرج الكلام إذا كتبت: «أنا فاعل» أحسن من أن تكتب: «أنا أفعل» وموضع آخر يكون فيه «استفعلت» أحلى من «فعلت».

فأدر الألفاظ على أعكانها (١)، واعرضها على معانيها، وقلّبها على جميع وجوهها، فأى لفظة رأيتها فى المكان الذى ندبتها إليه، فأنزعها إلى المكان الذى أوردتها عليه، وأوقعها فيه، ولا تجعل اللفظة قلقة فى موضعها، نافرة عن مكانها. فإنك متى فعلت هجّنت الموضع الذى حاولت تحسينه، وأفسدت المكان الذى أردت إصلاحه، فإنّ وضع الألفاظ فى غير أماكنها، وقصدك بها إلى غير نصابها (٢)، إنما هو كترقيع الثوب الذى إذا لم تتشابه رقاعه، ولم تتقارب أجزاؤه، خرج من حدّ الجدّة، وتغيّر حسنه، كما قال الشاعر:

إن الجديد إذا ما زيد فى خلق ... يبين للنّاس أن الثوب مرقوع

وارتصد لكتابك فراغ قلبك، وساعة نشاطك، فتجد ما يمتنع عليك بالكدّ والتكلف، لأن سماحة النفس بمكنونها، وجود الأذهان بمخزونها، إنما هو مع الشهوة المفرطة فى الشعر (٣)، والمحبة الغالبة فيه، أو الغضب الباعث منه ذلك. قيل لبعضهم لم لا تقول الشعر؟ قال: كيف أقوله، وأنا لا أغضب ولا أطرب! وهذا كله إن جريت من البلاغة على عرق (٤)، وظهرت منها على حظ، فأما إن كانت غير مناسبة لطبعك، ولا واقعة شهوتك عليها، فلا تنض (٥) مطيّتك فى التماسها، ولا تتعب


(١) الأعكان والعكن (بضم ففتح): الأطواء فى البطن من السمن، وواحدة العكن عكنة بضم فسكون، والكلام على التشبيه، وفى رسائل البلغاء: «فأدر الألفاظ فى أماكنها .... حتى تقع موقعها».
(٢) النصاب: الأصل.
(٣) فى الأصل «الشعر» وهو تحريف.
(٤) العرق: الأصل.
(٥) أنضاه: هزله.

<<  <  ج: ص:  >  >>