للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر:

وشعر الفتى يبدى غريزة طبعه ... وبالكتب يبدو عقله وبلاغته

وقيل للشّعبى: أى شىء تعرف به عقل الرجل؟ قال: إذا كتب فأجاد.

وقال العتبى: عقول الناس مدوّنة فى كتبهم، وقال ابن المقفّع: كلام الرجل وافد عقله.

وشبّهت الحكماء المعانى بالغوانى، والألفاظ بالمعارض، فإذا كسا الكاتب البليغ المعنى الجزل لفظا رائقا، وأعاره مخرجا سهلا، كان للقلب أحلى، وللصدر أملى (١)، ولكنه بقى عليه أن ينظمه فى سلكه مع شقائقه، كاللؤلؤ المنثور الذى يتولّى نظمه الحاذق، والجوهرىّ العالم يظهر بإحكام الصّنعة له حسنا هو فيه، ومنحة بهجة هى له، كما أن الجاهل إذا وضع بين الجوهرتين خرزة، هجّن (٢) نظمه، وأطفأ نوره. كان حبيب (٣) بن أوس ربما وقع على جوهرة فجعلها بين بعرتين، قال الشاعر:

ولو قرنت بدرّ فاخر خرزا ... من الزجاج لقلنا بئس ما نظما

والياقوت حسن، وهو فى جيد الحسناء أحسن، وكذلك الشعر الجيّد مونق (٤) ولكنه من أفواه العظماء آنق، والتاج الشريف بهىّ المنظر، وهو على الملك أبهى، كما قال ابن قيس الرّقيّات (٥):


(١) سهل عن أملأ.
(٢) التهجين: التقبيح.
(٣) هو أبو تمام الشاعر العباسى المشهور- انظر ترجمته فى وفيات الأعيان ١: ١٢١، والأغانى ١٥: ٩٦، والفهرست لابن النديم ص ٢٣٥.
(٤) آنقنى الشىء إينافا: أعجبنى.
(٥) هو عبيد الله بن قيس، وإنما لقب بذلك لأنه شبب بثلاث نسوة سمين جميعا رقية، كان زبيرى الهوى، وخرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، فلما قتل مصعب وقتل عبد الله بن الزبير هرب فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، فسأل عبد الملك فى أمره فأمنه- انظر ترجمته فى الأغانى ٤: ١٥٤، والشعر والشعراء ص ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>