للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعتدل التاج فوق مفرقه (١)

قال أبو العتاهية لابن مناذر (٢): بلغنى أنك تقول الشعر فى الدهر، والقصيدة فى الشهر، فقال: نعم، لو رضيت لنفسى أن أؤلف تأليفك، وأقول: «يا عتب يا درّة الغوّاص (٣)» لقلت فى اليوم والليلة ألف قصيدة، وقال عمر (٤) بن لجأ لشاعر: أنا أشعر منك، قال: ولم؟ قال: لأنك تقول البيت وابن عمه، وأنا أقول البيت وأخاه.

فإن منيت بحب الكتابة وصناعتها، والبلاغة وتأليفها، وجاش صدرك بشعر معقود، أو دعتك نفسك إلى تأليف الكلام المنثور. وتهيّأ لك نظم هو عندك معتدل، وكلام لدبك متّسق، فلا تدعونّك الثقة بنفسك، والعجب بتأليفك، أن تهجم به على أهل الصناعة، فإنك تنظر إلى تأليفك بعين الوالد لولده، والعاشق إلى عشيقته، كما قال حبيب:


(١) المفرق كمقعد ومجلس: وسط الرأس، وهو الذى يفرق فيه الشعر، وهذا صدر بيت وعجزه:
«على جبين كأنه الذهب» وهو من قصيدة قالها فى مدح عبد الملك، ولما أنشده إياها ووصل إلى هذا البيت، قال له عبد الملك: يا بن قيس تمدحنى بالتاج كأنى من العجم، وتقول فى مصعب:
إنما مصعب شهاب من الل ... هـ تجلت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك عزة ليس فيه ... جبروت منه ولا كبرياء
أما الأمان فقد سبق لك، ولكن والله لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبدا.
(٢) أبو العتاهية شاعر عباسى معروف، وله ترجمة مطولة فى الأغانى ٣: ١٢٢، وفى الشعر والشعراء ص ٣٠٩، ووفيات الأغانى ١: ٧١، والفهرست ص ٢٢٧. وابن مناذر: هو محمد بن مناذر، شاعر عباسى أيضا- انظر ترجمته فى الأغانى ١٧: ٩، والشعر والشعراء ص ٣٦٤.
(٣) عتبة التى كان أبو العتاهية يشبب بها: هى جارية لريطة بنت أبى العباس السفاح، وكانت تحت المهدى، فلما بلغ المهدى إكثاره فى وصفها غضب فأمر بحبسه، ثم شفع له يزيد بن منصور الحميرى خال المهدى فأطلقه، وجاء فى الأغانى (١٧: ١١) «اجتمع أبو العتاهية ومحمد بن مناذر، فقال له أبو العتاهية:
يا أبا عبد الله، كيف أنت فى الشعر؟ قال: أقول فى الليلة إذا سنح القول واتسعت القوافى عشرة أبيات إلى خمسة عشر، فقال له أبو العتاهية: لكنى لو شئت أن أقول فى الليلة ألف بيت لقلت، فقال ابن مناذر:
أجل، والله إذا أردت أن أقول مثل قولك:
ألا ياعتبة الساعه ... أموت الساعة الساعه
قلت: ولكنى لا أعود نفسى مثل هذا الكلام الساقط، ولا أسمح لها به، فخجل أبو العتاهية وقام يجر رجله».
(٤) شاعر أموى، وكان ممن هجا جريرا- انظر خبره فى الشعر والشعراء ص ٢٦١، وفى الأغانى فى ترجمة جرير ٧: ٣٥ والفرزدق ١٩: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>