للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسرار، وديوان الأمور، وترجمان القلوب، والمعبّر عن النفوس، والمخبر عن الخواطر، ومورّث الآخر مكارم الأوّل، والناقل إليه مآثر الماضى، والمخلّد له حكمته وعلمه، والمسامر للعين بسرّ القلب، والمخاطب عن الناصت (١)، والمجادل عن الساكت، والمفصح عن الأبكم، والمتكلّم عن الأخرس، الذى تشهد له آثاره بفضائله، وأخباره بمناقبه.

وقد وضعت البلاغة من القلم (٢) علوّ القدر، وباذخ (٣) العز، كأبى مسلم صاحب الدولة: فرّقت شمله، وبدّدت جمعه، ونقضت برمه (٤)، وأفسدت صلاحه، وضعضعت بنيانه، مع ذكائه وتفطّنه، ومكايده ودهائه، وأصالة رأيه وشدة شكيمته (٥)، وامتناعه على أبى جعفر ونفاره عنه، كيف استفزّه ابن المقفع، وصالح بن عبد القدّوس، وجبل بن يزيد، واستمالوه بسحر ألفاظهم، وبلاغة أقلامهم، حتى نزل من باذخ عزه، وجاء مبادرا حتى وقع فى الشّرك المنصوب له، فتفرّق جمعه، وانطفأ نوره، وصار خبرا سائرا، ورسما دائرا (٦).

ورفع القلم خاشع الطّرف، صغير الخطر (٧)، لئيم الجنس، درج من عشّ التّجّار، ونشأبين المكيال والميزان، كيف شالت (٨) البلاغة بضبعيه، ورفعت من ناظريه، حتى شافهت به عنان السماء، ورفعت بناءه فوق البناء، حتى طلبه الراكب، وقصده الطالب، وخشعت له الرجال، ولحظته العيون بالوقار، وتمكّن من الصنائع،


(١) نصت كضرب، وأنصت: سكت.
(٢) فى رسائل البلغاء: «وقد وقعت البلاغة من العلم» وهو تحريف.
(٣) الباذخ: العالى.
(٤) يقال برم الحبل برما وأبرمه إبراما.
(٥) الشكيمه: الأنفة.
(٦) أى دارسا ممحوا.
(٧) الخطر: الفدر.
(٨) أشال الحجر، وشال به يشول شولا: رفعه، فانشال هو- ولا يقال شلت بالكسر- والضبع. العضد كلها أو وسطها، والعنان. السحاب واحدته عنانة.

<<  <  ج: ص:  >  >>