للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومدّت نحوه الأصابع، فشكرت منه اللّفظة، ورجيت منه اللّحظة، كمحمد (١) ابن عبد الملك بن الزيات، وفيه يقول على بن الجهم (٢):

أحسن من عشرين بيتا سدى ... جمعك معناهنّ فى بيت

ما أحوج الملك إلى مطرة ... تغسل عنه وضر الزيت (٣)

فأجابه محمد بن عبد الملك:

رقيت فى القول إلى خطّة ... قدرك فيها قد تعدّيت


(١) كان جدء أبان يجلب الزيت من مواضعه إلى بغداد ويتجر فيه، وكان أبوه عبد الملك تاجرا من مياسير التجار بالكرخ (محلة ببغداد) فكان يحثه على التجارة، وملازمتها، فيأبى إلا الكتابة، وطلبها، وقصد المعالى حتى بلغ مرتبة الوزارة كما قدمنا، وكان فى أول أمره من جملة الكتاب، وسبب تقدمه أن المعتصم ورد عليه كتاب من بعض العمال، فقرأه عليه وزيره أحمد بن عمار بن شاذى البصرى، وكان فى الكتاب ذكر الكلأ، فقال له المعتصم: ما الكلأ؟ فقال لا أدرى- وكان قليل المعرفة بالأدب- فقال المعتصم: خليفة أمى ووزير عامى! - وكان المعتصم ضعيف الكتابة- ثم قال: أبصروا من بالباب من الكتاب؟ فوجدوا ابن الزيات المذكور فأدخلوه إليه، فقال له: ما الكلأ؟ فقال:
الكلأ العشب على الإطلاق، فإن كان رطبا فهو الخلا، فإذا يبس فهو الحشيش، وشرع فى تقسيم أنواع النبات، فعلم المعتصم فضله فاستوزره وحكمه وبسط يده- انظر الأغانى ٢٠: ٤٦ ووفيات الأعيان ٢: ٥٤، والفخرى ص ٢١٣، وغرر الخصائص الواضحة ص ١٤٣.
(٢) شاعر عباسى مشهور، توفى سنة ٢٤٩ - انظر ترجمته فى الأغانى ٩: ٩٩، ووفيات الأعيان ١: ٣٤٩.
(٣) الوضر: وسخ الدسم، وفى العقد الفريد (٣: ١١١): «وقال محمد بن الجهم يهجوا ابن الزيات: أحسن من سبعين بيتا ... » وجاء فى الأغانى (٢٠: ٥١). «كان محمد بن عبد الملك يعادى أحمد بن أبى دواد ويهجوه، فكان أحمد يجمع الشعراء ويحرضهم على هجائه ويصلهم، ثم قال فيه أحمد بيتين كانا أجود ما هجا به، وهما: أحسن من خمسين بيتا ... » وفى وفيات الأعيان:
(٢: ٥٦) «وكان ابن الزيات قد هجا ابن أبى دواد بتسعين بيتا، فعمل القاضى أحمد فيه بيتين وهما:
أحسن من تسعين بيتا ... » وجاء فيه أيضا (١: ٢٥) «وهجا بعض الشعراء ابن الزيات بقصيدة عدد أبياتها سبعون بيتا، فبلغ خبرها القاضى أحمد فقال ... فبلغ ابن الزيات ذلك- ويقال: إن بعض أحداد القاضى أحمد كان يبيع القار (الزفت) - فقال:
يا ذا الذى يطمع فى هجونا ... عرضت بى نفسك للموت
الزيت لا يزرى بأحسابنا ... أحسابنا معروفة البيت
قيرتم الملك فلم ننقه ... حتى غسلنا القار بالزيت
وقيره: أطلاه بالقار.

<<  <  ج: ص:  >  >>