للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعداء الله أن يطمسوا معالم دينه ويعفّوها (١)، فقام بحق الله وحقّ خليفته، محاميا عنها، ومراميا من ورائها، متناولا للبعيد برأيه ونظره، مباشرا للقريب بإشرافه وتفقّده، باذلا نفسه فى كل ما قرّ به من الله، وأوجب له الزّلفة عنده، وسيمنع الله أمير المؤمنين به وليّا مكانفا (٢) على الحق، وناصرا مؤازرا على الخير، وظهيرا مجاهدا لعدوّ الدين.

وقد علمتم ما كان كتاب أمير المؤمنين تقدّم به إليكم فيما أحدثته الفرقة الضالّة عن سبيل ربها، المفارقة لعصمة دينها، الكافرة بنعم الله، ونعم خليفته عندها، المباينة لجماعة الأمة التى ألّف الله بخلافته نظامها، المحاولة لتشتيت الكلمة بعد اجتماعها، الناكثة لبيعته، الخالعة لربقة (٣) الإسلام من أعناقها، الموالى الأتراك وما صارت إليه من نصب الغلام المعروف بأبى عبد الله بن المتوكل لإمامتها (٤)، عند مصير أمير المؤمنين إلى مدينة السلام، محلّ سلطانه، ومجتمع أنصاره وأبناء أنصار آبائه، وما قابل به أمير المؤمنين خيانتهم، وآثره من الأفاة فى أمرهم، ثم إن هؤلاء الناكثين جمعوا جمعا من الأتراك والمغاربة ومن ولج فى سوادهم، ودخل فى غمارهم (٥) مؤاتيا للفتنة من ألفاف (٦) الغىّ، ورأسوا عليهم المعروف بأبى أحمد بن المتوكل، ثم ساروا نحو مدينة السلام فى الجانب الشرقىّ، معلنين للبغى والاقتدار، مظهرين للغىّ والإصرار، فتأنّاهم (٧) أمير المؤمنين، وفسح لهم فى النّظرة لهم، وأمر بالكتاب إليهم بما فيه تبصيرهم الرشد، وتذكيرهم بما قدّموا من البيعة،


(١) عفاه كدخل وعفاه: محاه.
(٢) كانفه: عاونه وساعده، والظهير: المعين.
(٣) الربقة واحدة الربق بالكسر، وهو حبل فيه عدة عرى تشد به البهم، والمراد هنا العهد.
(٤) فى الأصل «تاريخ الطبرى»: «من نصر» وفيه أيضا «لإقامتها» وهو تحريف.
(٥) ولج يلج: دخل، وسوادهم: عامتهم، وغمارهم بالضم والفتح: زحمتهم وكثرتهم.
(٦) مؤاتيا: مطاوعا، والألفاف جمع لف بالكسر وهو الحزب والطائفة، من الالتفاف.
(٧) جاء فى اللسان «تأنى فى الأمر أى ترفق وتنظر، استأنى به أى انتظر به، ويقال: تأنيتك حتى لا أناة بى»، وفسح له كمنع: وسع، والنظرة: التاخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>