للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإفهامهم ما لله عليهم وله فى ذلك من الحق، وأن خروجهم مما دخلوا فيه من بيعتهم طوعا الخروج من دين الله والبراءة منه ومن رسوله، وتحريمهم أموالهم ونساءهم عليهم، وأن فى تمسّكهم به سلامة أديانهم، وبقاء نعمتهم، والاحتراس من حلول النقم بهم، وأن يبيّن لهم ما سلف من بلائه عندهم، من أسنى المواهب، وأرفع الرغائب، والاختصاص بسنىّ المراتب، والتقدّم فى المحافل، فأبوا إلا تماديا ونفارا، وتمسّكا بالغىّ وإصرارا، فقلّد أمير المؤمنين نصيحه المؤتمن ووليّه محمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين تدبير أمورهم، ودعاءهم إلى الحق ما كانت الإنابة، أو محاربتهم إن جنح بهم غيّهم، وتتلّعوا (١) فى ضلالهم، فلم يألهم (٢) نظرا وإفهاما، وتبيينا وإرشادا، وهم فى ذلك رافعون أصواتهم بالتوعّد لأهل مدينة السلام، بسفك دمائهم، وسبى نسائهم، وتغنّم (٣) أموالهم، وقبل ذلك ما كانوا فى مسيرهم على السبيل التى يستعملها أهل الشّرك فى غاراتهم، ويميلون إليها عند إمكان النّهزة (٤)، لا يجتازون بعامر إلا أخربوه، ولا بحريم (٥) لمسلم ولا غيره إلا أباحوه، ولا بمسلم يعجز عنهم إلا قتلوه، ولا بمال لمسلم ولا ذمّىّ إلا أخذوه، حتى انتقل كثير ممن سبقت إليه أخبارهم ممن أمامهم عن أوطانهم، وفارقوا منازلهم ورباعهم (٦)، وفزعوا إلى باب أمير المؤمنين تحصّنا من معرّتهم، لا يمزون بغنى إلا خلعوا عنه لباس الغنى، ولا بمستور إلا هتكوا عن الذّريّة والنساء ستره، لا يرقبون فى مؤمن إلّا (٧) ولا ذمّة، ولا يتوقّفون عن مسلم بهتك ولا مثلة (٨)، ولا يرغبون عما حرّم الله من دم ولا حرمة.


(١) المتتلع: الشاخص للأمر والرافع رأسه للنهوض والمتقدم.
(٢) ألا يألو: قصر.
(٣) اغتنمه وتغنمه: عده غنيمة.
(٤) النهزة: الفرصة.
(٥) حريمك: ما تحميه وتقاتل عنه.
(٦) الرباع جمع ربع بالفتح: وهو المنزل.
(٧) الإل: العهد.
(٨) مثل به بالتخفيف مثلة، ومثل به بالتشديد تمثيلا: نكل.
(١٦ - جمهرة رسائل العرب- رابع)

<<  <  ج: ص:  >  >>