للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تلقّوا التذكرة بالحرب، وقابلوا الموعظة بالإصرار على الذنب، وعارضوا التبصير بالاستبصار فى الباطل، فدلفوا (١) نحو باب الشمّاسيّة، وقد رتّب محمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين بذلك الباب والأبواب التى سبيلها سبيله من أبواب مدينة السلام الجيوش فى العدّة الكاملة، والعدّة المتظاهرة، معاقلهم التوكّل على ربهم، وحصونهم الاعتصام بطاعته، وشعارهم التكبير والتهليل أمام عدوهم، ومحمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين يأمرهم بتحصين ما يليهم، والإمساك عن الحرب ما كانت مندوحة (٢) لهم، فباداهم الأولياء بالموعظة، وبدأهم الغواة الناكثون بحربهم، وغادوهم أياما بجموعهم وعدادهم، مدلّين بعدّتهم ومقدّرين أن لا غالب لهم، ولا يعلمون بالله أنّ قدرته فوق قدرتهم، وأن أقداره نافذة بخلاف إرادتهم، وأحكامه عادلة ماضية لأهل الحق عليهم، حتى إذا كان يوم السبت للنّصف من صفر، وافوا باب الشماسية بأجمعهم، قد نشروا أعلامهم، وتنادوا بشعارهم، وتحصّنوا بأسلحتهم، وبدا الأمر منهم لمن عاينهم، ليس لهم وعيد دون سفك الدماء، وسبى النساء، واستباحة الأموال، فبدأهم الأولياء بالموعظة فلم يسمعوا، وقابلوهم بالتذكرة فلم يصغوا إليها، وبدءوا بالحرب منابذين لها، فتسرّع الأولياء عند ذلك إليهم، واستنصروا الله عليهم، واستحكمت بالله ثقتهم، ونفذت به بصائرهم، فلم تزل الحرب بينهم إلى وقت العصر من هذا اليوم، فقتل الله من حماتهم وفرسانهم ورؤسائهم وقادة باطلهم جماعة كثيرا عددها، ونالت الجراحة المثخنة (٣) التى تأتى على من نالته أكثر عامّتهم، فلما رأى أعداء الله وأعداء دينه أن قد أكذب ظنونهم، وحال بينهم وبين أمانيّهم، وجعل عواقبها حسرات عليهم، استنهضوا جيشا من «سامرّا» من الأتراك والمغاربة: فى العتاد (٤) والعدّة والجلد والأسلحة،


(١) دلفت الكتيبة فى الحرب كضرب: تقدمت.
(٢) مندوحة: أى سعة.
(٣) أنحن فى العدو: بالغ الجراحة فيهم.
(٤) العتاد: العدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>