للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى الجانب الغربىّ طالبين المعرّة، ومؤمّلين أن ينالوا نيلا من أهله، باشتغال إخوانهم فى الجانب الشرقىّ بأعدائهم، وقد كان محمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين شحن الجانبين جميعا بالرجال والعدّة، ووكّل بكل ناحية من يقوم بحفظها وحراستها، ويكفّ عن الرعية بوائق (١) أعدائهم، ووكّل بكل باب من الأبواب قائدا فى جمع كثيف، ورتّب على السّور من يراعيه فى الليل والنهار، وبثّ الرجال ليعرف أخبار أعداء الله فى حركاتهم ونهوضهم، ومقامهم وتصرّفهم، فيعامل كل حال لهم بحال يفتّ الله فى أعضادهم (٢) بها، فلما كان يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر، وافى الجيش الذى أنهضوه من الجانب الغربى الباب المعروف بباب فطربّل (٣)، فوقفوا بإزاء الناكثين المعسكرين بالجانب الشرقىّ من دجلة، فى عدد لا يسعه إلا الفضاء، ولا يحمله إلا المجال الفسيح، وقد تواعدوا أن يكون دنوّهم من الأبواب معا، لشغل الأولياء بحربهم من الجهات، فيضعفوا عنهم، ويغلبوا حقّهم بباطلهم، أملا كادهم الله فيه غير صادق، وظنّا خائبا لله فيه قضاء نافذ، وأنهض محمد بن عبد الله نحوهم محمد بن أبى عون وبندار بن موسى الطبرى مولى أمير المؤمنين وعبد الله بن نصر بن حمزة من باب قطربّل، وأمرهم بتقوى الله وطاعته، والاتّباع لأمره، والتصرف مع كتابه، والتوقّف عن الحرب حتى تسبق التذكرة الأسماع، وتنزل الحجة بالتتابع منهم والإصرار، فنفذوا فى جمع يقابل جمعهم، مستبصرين فى حق الله عليهم، مسارعين إلى لقاء عدوهم، محتسبين خطاهم ومسيرهم واثقين بالثواب الآجل، والجزاء العاجل، فتلقاهم ومن معهم أعداء الله قد أطلقوا نحوهم أعنتّهم، وأشرعوا (٤) لنحورهم أسنّتهم، لا يشكّون أنهم نهزة المختلس، وغنيمة المنتهب، فنادوهم بالموعظة نداء مسمعا فمجّتها أسماعهم، وعميت عنها


(١) البوائق جمع بائقة: وهى الداهية.
(٢) فت فى عضده: أضعفه.
(٣) اسم قرية بين بغداد وعكبرا ينسب إليها الخمر.
(٤) أشرع نحوه الرمح والسيف وشرعهما: أقبلهما إياه وسددهما له.

<<  <  ج: ص:  >  >>