للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبصارهم، وصدقهم أولياء الله فى لقائهم بقلوب مستجمعة لهم، وعلم بأن الله لا يخلف وعده فيهم؛ فجالت الخيل بهم جولة، وعاودت كرّة بعد كرة عليهم، طعنا بالرماح، وضربا بالسيوف، ورشقا بالسهام، فلما مسّهم ألم جراحها، وكلمتهم (١) الحرب بأنيابها، ودارت عليهم رحاها وصمّم عليهم أبناؤها، ظمأ إلى دمائهم، ولّوا أدبارهم ومنح الله أكتافهم، وأوقع باسه بهم، فقتلت منهم جماعة لم يحترسوا من عذاب الله بتوبة، ولم يتحصّنوا من عقابه بإنابة (٢)، ثم ثابت ثانية فوقفوا بإزاء الأولياء، وعبر إليهم أشياعهم الغاوون من عسكرهم بباب الشماسية ألف رجل من أنجادهم (٣) فى السفن، معاونين لهم على ضلالتهم، فأنهض محمد بن عبد الله خالد بن عمران والشاه ابن ميكال مولى طاهر نحوهم، فنفذوا ببصيرة لا يتخوّنها فتور، ونيّة لا يلحقها تقصير، ومعهما العباس بن قارن مولى أمير المؤمنين فلما وافى الشاه فيمن معه أعداء الله وكّل بالمواضع التى يتخوّف منها مدخل الكمناء، ثم حمل ومن توجّه معه من القواد المسمّين ماضين لا يعوقهم (٤) الوعيد، ولا يشكّون من الله فى النصر والتأييد، فوضعوا أسيافهم فيهم، تمضى أحكام الله عليهم، حتى ألحقوهم بالمعسكر الذى كانوا عسكروا فيه وجاوزوه، وسلبوهم كلّ ما كان من سلاح وكراع (٥) وعتاد الحرب، فمن قتيل غودرت جثته بمصرعه، ونقلت هامته (٦) إلى مصير فيه معتبر لغيره، ومن لاجىء من السيف إلى الغرق، لم يجره الله من حذاره، ومن أسير مصفود (٧) يقاد إلى دار أولياء الله وحزبه، ومن هارب بحشاشة (٨) نفسه، قد أسكن


(١) كلمه كضرب: جرحه.
(٢) فى الأصل «بأمانة» والظاهر أنها «بإنابة» لتناسب قوله قبل «بتوبة».
(٣) أنجاد جمع نجد، والنجد كشمس وكتف ورجل: الشجاع الماضى فيما يعجز غيره.
(٤) فى الأصل «لا يغويهم» وأراه محرفا وصوابه «لا يعوقهم».
(٥) الكراع: اسم يجمع الخيل.
(٦) الهامة: الرأس.
(٧) صفده كضربه: شده وأوثقه كأصفده وصفده.
(٨) الحشاشة: بقية الروح فى الجريح والمريض.

<<  <  ج: ص:  >  >>