للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


وقال ابن أبى الحديد: «قال الراوندى: المكذب من كان يكذب رسول الله صلى الله عليه وآله عنادا من قريش، وأسد الأحلاف: أسد بن عبد العزى، قال: لأن بنى أسد بن عبد العزى كانوا أحد البطون الذين اجتمعوا فى حلف المطيبين، وهذا كلام ظريف جدا، لأنه لم يلحظ أنه يجب أن يجعل بإزاء النبى صلى الله عليه وسلم مكذب من بنى عبد شمس، فقال: المكذب من كذب النبى من قريش عنادا، وليس كل من كذبه عليه الصلاة والسلام من قريش يعير معاوية به، ثم قال: أسد الأحلاف أسد بن عبد العزى، وأى عار يلزم معاوية من ذلك؟ ثم إن بنى عبد مناف كانوا فى هذا الحلف، وعلى ومعاوية من بنى عبد مناف ولكن الراوندى يظلم نفسه بتعرضه لما لا يعلمه اه».
وهاك كلمة عن حلف المطيبين: كان قصى بن كلاب جعل إلى ابنه عبد الدار الحجابة واللواء والسقاية والرفادة، ثم إن بنى عبد مناف بن قصى (عبد شمس وهاشما والمطلب ونوفلا) أجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدى بنى عبد الدار بن قصى من ذلك، ورأوا أنهم أولى به منهم لشرفهم عليهم وفضلهم فى قومهم، فتفرقت عند ذلك قريش فكانت طائفة مع بنى عبد مناف على رأيهم، كان معهم بنو أسد بن عبد العزى بن قصى وبنو زهرة بن كلاب، وبنو تيم بن مرة بن كعب، وبنو الحارث بن فهر بن مالك، وكانت طائفة أخرى مع بنى عبد الدار، يرون أن لا ينزع منهم ما كان قصى جعل إليهم، كان معهم بنو مخزوم بن يقظة بن مرة وبنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، وبنو جمع بن عمرو بن هصيص وبنو عدى بن كعب، فعقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا، ما بل بحر صوفة، فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا فوضعوها لأحلافهم فى المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها فتعاقدوا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم فسموا «المطيبين» بفتح الياء المشددة- وتعاقد بنو عبد الدار وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا على أن يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا، فسموا «الأحلاف» - انظر سيرة ابن هشام ١: ٨٢.
أما حلف الفضول: فسببه أن رجلا من زبيد من أهل اليمن قدم مكة معتمرا ببضاعة فاشتراها منه العاص ابن وائل السهمى ومطله بالثمن، فجاء إلى بنى سهم يستعديهم عليه، فأغلظوا له- وكان بنو سهم وبنو جمح أهل بغى وعدوان- فطوف فى قبائل قريش يستصرخهم فتخاذلت القبائل عنه، فلما رأى ذلك أشرف على أبى قبيس حين أخذت قريش مجالسها حين ناشدهم ظلامته، فاجتمع بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم فى دار عبد الله بن جدعان التيمى، فتحالفوا وغمسوا أيديهم فى ماء زمزم بعد أن غسلوا به أركان البيت وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غير هم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وأن يأخذوا على يد الظالم وينهوا عن كل منكر، مابل بحر صوفة، ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل فقالوا له: أد إلى هذا حقه، فأدى إليه حقه فمكثوا كذلك دهرا، لا يظلم أحد بمكة إلا أخذوا له حقه. وكان حلف الفضول بعد حلف المطيبين بزمان، وقد شهده رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو شاب ابن خمس وعشرين سنة، قال عليه الصلاة والسلام: «لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لى به حمر النعم (به أى بدله: أى مقابل نقضه) ولو دعيت به اليوم لأجبت، ولا يزيده الإسلام إلا شدة» وإنما سمى حلف الفضول لأنهم تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها (فالفضول: جمع فضل وهو الزيادة، لأن الظالم يأخذ فضلا عن حقه) وقيل إنه كان قد سبق قريشا إلى مثل هذا الحلف «جرهم» فى الزمن الأول، فتحالف منهم ثلاثة هم ومن تبعهم: أحدهم الفضل بن فضالة-

<<  <  ج: ص:  >  >>