للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكّدة (١)، جراءة على الله واستخفافا بعهده، أو لست بقاتل عمرو بن الحمق (٢) الذى أخلقت وأبلت وجهه العبادة، فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم (٣) نزلت من سقف (٤) الجبال؟ أو لست المدّعى زيادا فى الإسلام، فزعمت أنه ابن أبى سفيان، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم سلّطته على أهل


(١) يشير إلى ما كان أخذه الحسن عليه السلام من معاوية من كتاب الأمان لشيعته.
(٢) هو عمرو بن الحمق الخزاعى: صحابى هاجر بعد الحديبية، وكان ممن دخل الدار على عثمان، ثم صار من شيعة على، وشهد معه وقعة الجمل وصفين والنهروان، ولما طلب زياد رؤساء أصحاب حجر ابن عدى، خرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن، ثم ارتحلا حتى أتيا أرض الموصل فأتيا جبلا فكمنا فيه، وبلغ عامل ذلك الرستاق (الرستاق: يستعمل فى الناحية التى هى طرف الإقليم، فارسى معرب) أن رجلين قد كمنا فى جانب الجبل، فاستنكر شأنهما- وهو رجل من همدان يقال له:
عبد الله بن أبى بلتعة- فسار إليهما فى الخيل نحو الجبل ومعه أهل البلد، فلما انتهى إليهما خرجا، فأما عمرو بن الحمق فكان مريضا، وكان بطنه قد سقى (السقى كشمس وحمل: ماء أصفر يقع فى البطن، وقد سقى بطنه كرمى) فلم يكن عنده امتناع. وأما رفاعة بن شداد- وكان شابا قويا- فوثب على فرس له جواد، فقال له: أقاتل عنك، قال: وما ينفعنى أن تقاتل، أنج بنفسك إن استطعت فحمل عليهم فأفرجوا له، فخرج تنفر به فرسه، وخرجت الخيل فى طلبه وكان راميا، فأخذ لا يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقره، فانصرفوا عنه.
وأخذ عمرو بن الحمق، فسألوه من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضر لكم، فسألوه فأبى أن يخبرهم، فبعث به ابن أبى بلتعة إلى عامل الموصل- وهو عبد الرحمن بن عبد الله ابن عثمان الثقفى- فلما رأى عمرو بن الحمق، عرفه وكتب إلى معاوية بخبره، فكتب إليه معاوية:
«أنه زعم أنه طعن عثمان بن عفان تسع طعنات بمشاقص كانت معه (المشاقص جمع مشقص كمنبر وهو النصل الطويل أو سهم فيه ذلك يرمى به الوحش) وإنا لا نريد أن نعتدى عليه، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان، فأخرج فطعن تسع طعنات فمات فى الأولى منهن أو الثانية (سنة ٥١ هـ) وبعث عبد الرحمن الثقفى برأسه إلى معاوية، وهو أول رأس أهدى فى الإسلام. وقيل إنه لما هرب بالوصل دخل غارا فنهشته حية فمات فأخذ عامل الموصل رأسه فأرسله إلى زياد فبعث به زياد إلى معاوية، وقيل إنه عاش إلى أن قتل فى وقعة الحرة سنة ٦٣ هـ (انظر تاريخ الطبرى ٦: ١٤٨ وخلاصة تهذيب الكمال فى أسماء الرجال ص ٢٤٤ وأسد الغابة فى معرفة الصحابة ٤: ١٠٠ والإصابة فى تمييز الصحابة ٤: ٢٩٤).
وقد جاء فى تاريخ الطبرى أيضا (٥: ١٣٢) أن عمرو بن الحمق كان مع محمد بن أبى بكر حين تسور على عثمان الدار، فلما قتله كنانة بن بشر بن عتاب التجينى، وثب عمرو بن الحمق على عثمان فجلس على صدره وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، قال عمرو: فأما ثلاث منهن فإنى طعنتهن إياه لله، وأما ست فإنى طعنتهن إياه لما كان فى صدرى عليه».
(٣) العصم: جمع أعصم، وهو الوعل فى ذراعيه أو فى إحداهما بياض وسائره أسود أو أحمر.
(٤) لعله «من شم الجبال» جمع أشم. والجبل الأشم: المرتفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>