للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام: يقتلهم، ويقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلّبهم على جذوع النخل (١)، سبحان الله يا معاوية! لكأنك لست من هذه الأمة، وليسوا منك، أولست قاتل


(١) جاء فى شرح ابن أبى الحديد (م ٣: ص ١٥).
روى أن أبا جعفر محمد على الباقر عليه السلام قال لبعض أصحابه- فى كلام له-:
«ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ونقصى ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء فى كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدى والأرجل على الظنة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام، ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال من شيعة على».
وروى المدائنى فى كتاب الأحداث قال: «كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبى تراب وأهل بيته» فقامت الخطباء فى كل كورة، وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفى أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة على عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد بن سمية، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام على عليه السلام، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدى والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم، وكتب معاوية إلى عماله فى جميع الآفاق «ألا يجيزوا لأحد من شيعة على وأهل بيته شهادة» وكتب إليهم «أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه، وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا لى بكل ما يروى كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته» ففعلوا ذلك حتى أكثروا فى فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه فى العرب منهم والموالى، فكثر ذلك فى كل مصر، وتنافسوا فى المنازل والدنيا، فليس يجىء أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية، فيروى فى عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حينا، ثم كتب إلى عماله: «إن الحديث فى عثمان قد كثر وفشا فى كل مصر، وفى كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابى هذا فادعوا الناس إلى الرواية فى فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين فى أبى تراب إلا أتونى بمناقض له فى الصحابة مفتعلة، فإن هذا أحب إلى وأقر لعينى، وأدحض لحجة أبى تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله» فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة فى مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس فى رواية ما يجرى هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقى إلى معلمى الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، وحتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: «انظروا إلى من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه» وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة-

<<  <  ج: ص:  >  >>