للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحضرمىّ (١) الذى كتب إليك فيه زياد أنه على دين علىّ كرم الله وجهه، ودين علىّ هو دين ابن عمه صلى الله عليه وسلم الذى أجلسك مجلسك الذى أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّم الرّحلتين: رحلة الشتاء والصّيف (٢)، فوضعها الله عنكم بنا، منّة عليكم، وقلت فيما قلت: لا تردّنّ هذه الأمة فى فتنة، وإنى لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتك عليها، وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد، وإنى والله ما أعرف أفضل من جهادك، فإن أفعل فإنه قربة إلى ربى، وإن لم أفعله فأستغفر الله لدينى، وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضى، وقلت فيما قلت:


- هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره» فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة حتى إن الرجل من شيعة على عليه السلام ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته فيلقى إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس فى ذلك بلية القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدى الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها.
فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن على عليه السلام (سنة ٥٠) فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه، أو طريد فى الأرض، ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين عليه السلام، وولى عبد الملك بن مروان، فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض على وموالاه أعدائه وموالاة من يدعى قوم من الناس أنهم أيضا أعداؤه، فأكثروا فى الرواية فى فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغض من على عليه السلام وعيبه والطعن فيه والشنآن له، حتى إن إنسانا وقف للحجاج، ويقال إنه جد الأصمعى عبد الملك بن قريب، فصاج به أيها الأمير إن أهلى عقونى فسمونى عليا، وإنى فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجاج، وقال: للطف ما توسلت به، قد وليتك موضع كذا» اه. ولا تنس أن الشيعة وضعوا أحاديث مختلفة فى صاحبهم، حملهم على وضعها عداوة خصومهم- انظر ابن أبى الحديد م ٣ ص ١٧.
(١) يعنى شريك بن شداد الحضرمى، وكان من أصحاب حجر بن عدى الذين بعث بهم زياد إلى معاوية وقتل مع حجر.
(٢) كان للقرشيين فى الجاهلية رحلتان كل عام: رحلة فى الشتاء إلى اليمن، ورحلة فى الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون، وكانوا يخرجون بتجارتهم قوافل عظيمة وقد ذكر الطبرى أن إحدى هذه القوافل بلغت خمسمائة وألف بعير، وكانوا فى رحلتهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته، ذلك إلى ما أخذه لهم بنو عبد مناف من الإيلاف أى العهد بتأمين التجارة، وكان هاشم بن عبد مناف قد خرج إلى الشام-

<<  <  ج: ص:  >  >>