للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، نزع بك إلى ذلك عرق سوء فيهم من التى قامت عنك (١) فبئس الجنين أنت يا عدىّ (٢) نفسه.

وإن الله عزّ وجل لمّا رأى إحسان أمير المؤمنين إليك، وسوء قيامك بشكره، قلب قلبه فأسخطه عليك حتى قبحت أمورك عنده، وآيسه من شكرك ما ظهر من كفرك النّعمة عندك، فأصبحت تنتظر سقوط النّعمة، وزوال الكرامة، وحلول الخزى، فتأهّب لنوازل عقوبة الله بك، فإن الله عليك أوجد (٣)، ولما عملت أكره فقد أصبحت وذنوبك عند أمير المؤمنين أعظم من أن يبكّتك (٤) إلا راتبا بين يديه، وعنده من يقرّرك (٥) بها ذنبا ذنبا، ويبكّتك بما أتيت أمرا أمرا، فقد نسيته وأحصاه الله عليك.

ولقد كان لأمير المؤمنين زاجر عنك فيما عرفك به من التسرّع إلى حماقتك، فى غير واحدة، منها القرشىّ الّذى تناولته بالحجاز ظالما، فضربك الله بالسّوط الذى ضربته (٦) به، مفتضحا على رءوس رعيّتك، ولعل أمير المؤمنين يعود لك بمثل ذلك، فإن يفعل فأهله أنت، وإن يصفح فأهله هو.


(١) كنى به عن أمه.
(٢) مصغر عدو، والتصغير للتحقير.
(٣) أوجد: أغضب، أفعل تفضيل من الموجدة، وهى الغضب.
(٤) التبكيت: التفريع، وراتبا: أى مائلا قائما بين يديه، من رتب كدخل إذا ثبت قائما.
(٥) تقول: أقر فلان بالحق أى اعترف به، وقررته بالحق حتى أقر به.
(٦) روى صاحب الأغانى (١٩: ٦٠) قال: «كان خالد بن عبد الله أميرا على مكة، فأمر رأس الحجبة أن يفتح له الباب وهو ينظر، فأبى فضربه مائة سوط، فخرج الشيبى إلى سليمان بن عبد الملك يشكوه، فصادف الفرزدق بالباب، فاسترفده (أى استعانه) فلما أذن للناس ودخلا، شكا الشيبى ما لحقه من خالد، ووثب الفرزدق فأنشأ يقول:
سلوا خالدا (لا أكرم الله خالدا) ... متى وليت قسر قريشا تدينها؟
أقبل رسول الله أم ذاك بعده؟ ... فتلك قريش قد أغث سمينها
رجونا هداه (لا هدى الله خالدا) ... فما أمه بالأم يهدى جنينها
فحمى سليمان وأمر بقطع يد خالد، وكان يزيد بن المهلب عنده، فما زال يفديه ويقبل يده حتى أمر بضربه مائة سوط» وللفرزدق فيه أهاج منها قوله:
وكيف يؤم المسلمين، وأمه ... تدين بأن الله ليس بواحد

<<  <  ج: ص:  >  >>