للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك ذكرك زمزم، وهى سقيا الله وكرامته لعبد المطّلب (١)، وهذا الحىّ من قريش، تسمّيها أمّ جعار (٢) فلا سقاك الله من حوض رسوله، وجعل شرّ كما لخير كما الفداء (٣)، وو الله أن لو لم يستدلل أمير المؤمنين على ضعف نحائزك (٤)، وسوء تدبيرك، إلا بفسالة دخائلك، وبطانتك وعمّالك.

والغالبة عليك جاريتك الرائفة (٥) بائعة الفهود، ومستعملة الرجال، مع ما أتلفت من مال الله فى «المبارك (٦)» فإنك ادعيت أنك أنفقت عليه اثنى عشر ألف ألف درهم، والله لو كنت من ولد عبد الملك بن مروان، ما احتمل لك أمير المؤمنين ما أفسدت من مال الله، وضيّعت من أمور المسلمين، وسلّطت من ولاة السوء على جميع أهل كور عملك، تجمع إليك الدّهاقين (٧) هدايا النّيروز والمهرجان، حابسا لأكثره، رافعا لأقلّه، مع مخابث مساويك التى قد أخّر أمير المؤمنين تقريرك بها.

ومناصبتك أمير المؤمنين فى مولاه حسّان، ووكيله فى ضياعه وأحوازه


(١) يعنى عبد المطلب بن هاشم جد النبى صلى الله عليه وسلم وهو الذى حفر زمزم.
(٢) أم جعار: الضبع، لكثرة جعرها (بالفتح) وهو نجوها، قال فى الأغانى: «وكان يسمى زمزم أم الجعلان» بالكسر جمع جعل بضم ففتح وهو دويبة كالخنفساء، يريد أنها نتتة خبيثة الرائحة، وكان الوليد حفر بئرا بين ثنية ذى طوى (موضع قرب مكة) وثنية الحجون (بالفتح: جبل مشرف بمكة) فكان خالد ينقل ماءها فيوضع فى حوض إلى جنب زمزم ليعرف فضله على زمزم، وخطب يوما على منبر مكة فقال: «إن إبراهيم خليل الله استسقى ربه، فسقاه ملحا أجاجا، واستسقاه الخليفة فسقاه عذبا فراتا» - انظر تاريخ الطبرى ٨: ٦٧، والأغانى ١٩: ٦٠ - وفى شرح العيون ص ٢٠٥ إنه قال: «قد جئتكم بماء العاذبة، لا تشبه ماء أم الخنافس» يعنى زمزم.
(٣) أخذه من قول حسان بن ثابت يمدح النبى صلى الله عليه وسلم ويهجو أبا سفيان قبل إسلامه:
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله فى ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء
(٤) النحائز: جمع نحيزة كطبيعة وزنا ومعنى، وفسل ككرم وعلم وعنى فسالة وفسولة فهو فسل كضخم، أى رذل لا مروءة له، وجواب لو محذوف أى لكفاه ذلك.
(٥) راف البدوى يريف، أتى الريف، وهى أرض فيها زرع وخصب.
(٦) المبارك: نهر بالبصرة احتفره خالد لهشام، ومما قاله فيه الفرزدق:
وأهلكت مال الله فى غير حقه ... على النهر المشئوم غير المبارك
(٧) الدهاقين: جمع دهقان بالكسر والضم، زعيم فلاحى العجم ورئيس الإقليم، معرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>