للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتخاوص (١) دونه طرفك، ويستشرى (٢) به ضغنك، ويترادف معه نفسك، وتكثر عنده صعداؤك (٣)، ولا يفيض به لسانك؟ أعجمة بعد إفصاح؟ أتلبيس (٤) بعد إيضاح؟ أدين غير دين الله؟ أخلق غير خلق القرآن؟ أهدى غير هدى النبى صلى الله عليه وسلم؟ أمثلى تمشى له الضّراء، وتدبّ له الخمر (٥) أم مثلك ينقبض عليه الفضاء، ويكسف (٦) فى عينه القمر؟ ما هذه القعقعة بالشّنان؟ وما هذه الوعوعة (٧) باللسان؟ إنك والله جدّ (٨) عارف باستجابتنا لله عزّ وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبخروجنا عن أوطاننا وأموالنا وأولادنا وأحبّتنا، وهجرة إلى الله عزّ وجل، ونصرة لدينه، فى زمان أنت فيه فى كنّ الصّبا، وخدر الغرارة، وعنفوان الشّبيبة (٩)، غافل عما يشيب ويريب، لا تعى ما يراد ويشاد، ولا تحصّل ما يساق ويقاد، سوى ما أنت جار (١٠) عليه إلى غايتك التى إليها عدل بك، وعندها حطّ رحلك، غير مجهول القدر، ولا مجحود الفضل، ونحن فى أثناء ذلك نعانى أحوالا تزيل الرّواسى، ونقاسى


(١) تخاوص: إذا غض من بصره شيئا وهو فى ذلك يحدق النظر، وكذا إذا نظر إلى عين الشمس.
(٢) استشرى الأمر: عظم وتفاقم، وفى صبح الأعشى ونهاية الأرب «ويسرى فيه ظعنك» والسرى:
سير عامة الليل، وظعن كمنع ظعنا ويحرك: سار.
(٣) أى يتتابع، وفى صبح الأعشى وابن أبى الحديد «ويتراد» أى يتراجع، والصعداء: ثنفس طويل.
(٤) التلبيس: التخليط.
(٥) الضراء: الشجر الملتف فى الوادى، يقال: توارى الصيد منه فى ضراء، وفلان يمشى الضراء إذا مشى مستخفيا فيما يوارى من الشجر. والخمر: كل ماواراك من شجر أو بناء أو غيره، وخمر كفرح توارى، ومن أمثالهم: «يدب له الضراء ويمشى له الخمر» وهو مثل يضرب المرجل يختل صاحبه.
(٦) جاء فى اللسان والمصباح: «قال ثعلب: أجود الكلام خسف القمر وكسفت الشمس».
(٧) القعقعة: تحريك الشئ اليابس الصلب مع صوت مثل السلاح وغيره، والشنان: جمع شن بالفتح وهو القربة البالية، وهم يحركونها إذ أرادوا حث الإبل على السير لتفزع فتسرع، ومن أمثالهم «ما يقعقع له بالشنان» مثل يضرب لمن لا يروعه ما لا حقيقة له. الوعوعة والوعواع: صوت الذئاب والكلاب.
(٨) قالوا: هذا العالم جد العالم، وهذا عالم جد عالم: يريد بذلك التناهى وأنه قد بلغ الغاية فيما يصفه به من الخلال.
(٩) الغرير والغر بالكسر: الشاب لا تجربة له، وقد غر يغر بالكسر غرارة بالفتح، عنفوان الشباب: أوله، أو أول بهجته.
(١٠) رابه الأمر وأرابه: رأى منه ما يكرهه، والإشادة: رفع الصوت بالشئ، وتعريف الضالة، وفى ابن أبى الحديد: «سوى ما أنت جار عليه من أخلاق الصبيان أمثالك، وسجايا الفتيان أشكالك، حتى بلغت إلى غايتك هذه التى إليها أجريت، وعندها حط رحلك».

<<  <  ج: ص:  >  >>