للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تكن عن شئ منها ناكلا (١)، كيف وفؤادك مشهوم، وعودك معجوم (٢)، وغيبك مخبور، والخير منك كثير، والآن قد بلّغ الله بك، وأرهص (٣) الخير لك، وجعل مرادك بين يديك، وعن علم أقول (٤) ما تسمع، فارتقب زمانك، وقلّص أردانك، ودع التقعّس والتجسّس لمن لا يظلع لك إذا خطا، ولا يتزحزح عنك إذا عطا (٥)، فالأمر غضّ، والنفوس فيها مضّ، وإنك أديم هذه الأمة فلا تحلم لجاجا، وسيفها العضب فلا تنب اعوجاجا، وماؤها العذب فلا تحل أجاجا (٦)، والله لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر، فقال لى «يا أبا بكر: هو لمن يرغب عنه لا لمن يجاحش عليه، ولمن يتضاءل عنه لا لمن ينتفج إليه (٧)، هو لمن يقال له هو لك لا لمن يقول هو لى».

ولقد شاورنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصّهر، فذكر فتيانا من قريش فقلت: أين أنت من على؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنى لأكره لفاطمة ميعة (٨) شبابه، وحداثة سنّه، فقلت له: متى كنفته يدك، ورعته عينك، حفّت بهما (٩)، البركة، وأسبغت عليهما النعمة، مع كلام كثير خاطبته به رغّبته فيك، وما كنت


(١) نكل عنه كضرب ونصر وعلم نكولا: نكص وجبن.
(٢) المشهوم والشهم: الذكى الفؤاد المتوقد، وعجم عوده كنصر: عضه ليعلم صلابته من خوره.
(٣) فى كتب اللغة: أرهص الله فلانا للخير أى جعله معدنا للخير ومأتى. وفى صبح الأعشى ونهاية الأرب «وأنهض».
(٤) وفى ابن أبى الحديد: «فاسمع ما أقول لك، واقبل ما يعود قبوله عليك، ودع التجسس والتعسس ... الخ».
(٥) التقليص. التشمير، والأردان: جمع ردن بالضم، وهو أصل الكم، والتقعس والتقاعس: التأخر، وظلع البعير كمنع: غمز فى مشيه. وعطا الظبى: تطاول إلى الشجر ليتناول منه.
(٦) الغض: الطرى، ومضه الشئ مضا: بلغ من قلبه الحزن به كأمضه، والأديم: الجلد، وحلم الجلد كفرح: وقع فيه الحلم بالتحريك: وهو دود يقع فى الجلد فيأكله فإذا دبغ وهى موضع الأكل، وسيف عضب: قاطع، ونبا السيف عن الضريبة: كل، فلا تحل: أى فلا تتحول ولا تصر، وماء أجاج: أى ملح مر.
(٧) يجاحش: يدافع، ونفج وانتفج وتنفج: ارتفع، ومنه انتفج جنبا البعير: أى ارتفعا، وانتفجت الأرنب: أى وثبت، وفى ابن أبى الحديد «لا لمن يشمخ إليه».
(٨) ميعة الشباب: أوله.
(٩) أى بعلى وفاطمة، وأسبغ الله عليه النعمة. أتمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>