للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أحضرهم من نفسك وقارا يستدعى لك منهم الهيبة، واستئناسا يعطف إليك منهم المودّة، وإنصاتا (١) يفلّ إفاضتهم عندك بما تكره أن ينشر عنك من سخافة الرأى، وضياع الحزم، ولا يغلبنّ عليك هواك فيصرفك عن الرأى، ويقتطعك دون الفكر.

وتعلّم أنك وإن خلوت بسرّ، فألقيت دونه ستورك، وأغلقت عليه أبوابك، فذلك لا محالة مكشوف للعامّة، ظاهر عنك- وإن استترت بربّما ولعلّ، وما أرى إذاعة ذلك وأعلم (٢) - بما يرون من حالات من ينقطع به فى تلك المواطن، فتقدّم فى إحكام ذلك من نفسك وسدّ خلله عنك، فإنه ليس أحد أسرع إليه سوء القالة، ولغط العامّة بخير أو شر، ممن كان فى مثل حالك ومكانك الذى أصبحت به من دين الله، والأمل المرجوّ المنتظر فيك، وإياك أن يغمز (٣) فيك أحد من حامّتك وبطانة خدمك بضعفة يجد بها مساغا إلى النطق عندك بما لا يعتزلك عيبه، ولا تخلو من لائمته، ولا تأمن سوء الأحدوثة فيه، ولا يرخص سوء القالة به إن نجم ظاهرا وعلن باديا (٤)، ولن يجترئوا على تلك عندك إلّا أن يروا منك إصغاء إليها، وقبولا لها، وترخيصا لهم فى الإفاضة بها.

ثم إيّاك أن يفاض عندك بشىء من الفكاهات والحكايات والمزاح والمضاحك التى يستخفّ بها أهل البطالة، ويتسرّع نحوها ذوو الجهالة، ويجد فيها أهل الحسد مقالا لعيب يذيعونه (٥)، ولطعن فى حق يجحدونه، مع ما فى ذلك من نقص الرأى، ودرن العرض، وهدم الشرف، وتأثيل (٦) الغفلة، وقوّة طباع السّوء الكامنة


(١) وفى المنظوم والمنثور «وإنصافا يغل أقاصيهم له عنك بما تكره أن ينتشر عنك ... الخ».
(٢) أرى بالضم أى أظن، وأعلم معطوف عليه أى وما أعلم. والمعنى وإن استترت وراء هذه الألفاظ.
(٣) أغمز فى فلان: عابه وصغره، واغتمزه طعن عليه أيضا.
(٤) نجم كنصر: ظهر، وعلن كنصر وضرب وكرم وفرح: ظهر أيضا.
(٥) وفى المنظوم والمنثور «يدفعونه».
(٦) أى تأصيل وتمكين، والحجر الصلد: أى الصلب الأملس.

<<  <  ج: ص:  >  >>