للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتواجه الجيشان في تعبئة لم ير مثلها قط، وكان القسيسون والشمامسة والرهبان يحرضون جيوش الروم ويحثونهم على القتال لمدة شهر قبل المعركة حتى امتلأوا حماسا واخذوا يتحينون الفرصة للقاء.

خالد يدعو إلى توحيد القيادة:

ونظر خالد إلى المسلمين فوجدهم متساندين كل جماعة على رأسها قائد ليس لها أمير واحد يجمعهم، ورأى -رضي الله عنه- بعبقريته العسكرية أن هذا الحال لا يؤدي إلى النصر، فخطب في المسلمين، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم، وأريدوا الله بأعمالكم، فإن هذا يوم له ما بعده، ولا تقاتلوا قوماً على نظام وتعبية وأنتم متساندون، فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي، وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا، فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبتكم.

قالوا: فهات فما الرأي؟ قال: إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يرى أننا سنتياسر ولو علم بالذي كان ويكون لما جمعكم، إن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين مما قد غشيهم وأنفع للمشركين من أمدادهم، وقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم، فالله الله، فقد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان لا ينتقصه منه أن دان لأحد من أمراء الجنود ولا يزيده عليه أن دانوا له، إن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله، ولا عند خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هلموا فإن هؤلاء تهيئوا، وهذا يوم له ما بعده، إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم، وإن هزمونا لم نفلح بعدها، فهلموا فلنتعاور الإمارة فليكن عليها بعضنا اليوم، والآخر غداً، والآخر بعد غدٍ حتى يتأمر كلكم، ودعوني إليكم اليوم، فأمروه، وهم يرون أنها كخرجاتهم، وأن الأمر أطول مما صاروا إليه [١٠] .