للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي يبدو لي أن اسم (المُهَيْمِن) جل جلاله، يتضمن معناه شمول الهيمنة بمعنى السيطرِة المطلقة لله عز وجل على كل كائن في هذا الكون، إيجاداً وإعداماً، وتحريكاً، وتسكيناًَ، بعلمٍ محيطٍ، وعدلٍ مطلقٍ، وقدرةٍ شاملةٍ، ومشيئةٍ نافذةٍ، وقدرٍ سابقٍ، فلا راد لمشيئته، ولا معقب لقدره، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد. وما أراد وقوعه في كونه سبحانه- وما دونه في اللوح المحفوظ غيبَه عن خلقه، واستأثر بعلمه وحده، وهذا الاستئثار أثر من آثار هيمنته سبحانه.

ومن أمثلته قوله عز وجل: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ] الأنعام آية ٥٩ [.

ثم أنه سبحانه مع هذه الهيمنة التي من مقتضاها قهر عباده سبحانه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} ] الأنعام آية ١٨ [، لم يهمل عباده بل يراقبهم، ويشهد كل أقوالهم وأعمالهم، بل ويطلع على أسرارهم وما تُكِن صدورهم، ويوالى إمدادهم بكل ما يحتاجون لعمارة هذه الأرض، وما يصلح لهم في دنياهم وأخراهم، ويرسل إليهم ملائكة حفظة لهم بإذن الله طول حياتهم حتى تنتهي آجالهم، كما قال سبحانه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ] الرعد آية ١١ [، وكما قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} ] الأنعام آية ٦١ [.