للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان بعض كبار التابعين، إذا سمعوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير الصحابة فزعوا إلى من عندهم من الصحابة ليتثبتوا عن ذلك الحديث، وكذلك شأن في صغار التابعين، يفزعون إلى من عندهم من كبار التابعين كل ذلك ليثبت.

وهكذا أسهمت جهود العلماء في هذا المضمار بتكوين علم الجرح والتعديل، الذي أرسى قواعده وأسسه الصحابة والتابعون وأتباعهم، وقد ظهر في كل عصر عدد كبير من النقاد تكفل ببيان أحوال الرواة، ونقل السنة وحفظها على أسلم القواعد العلمية. ثم ما لبث أن صنف العلماء المؤلفات الضخمة في الرواة وأقوال النقاد فيهم، حتى أنه لم يعد يختلط الكذابون والضعفاء بالعدول الثقات.

قيل لابن المبارك: "هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة".

وقال مسلم: "فلولا الذي رأينا من سؤ صنيع كثير ممن نصب نفسه محدثاً فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة، وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة، بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيراً مما يقذفون به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر، ومنقول عن قوم غير مرضيين ممن ذم الرواية عنهم أئمة الحديث، مثل مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان ابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من الأئمة لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل، ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت".