للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجواب عن رواية بعض كبار الأئمة عن الضعفاء:

قال الإمام النووي في شرح مسلم: "قد يقال لم حدَّث هؤلاء الأئمة عن هؤلاء مع علمهم بأنهم لا يُحتج بهم؟ ويجاب عنه بأجوبة:

أحدها: أنهم رووها ليعرفوها، وليبينوا ضعفها لئلا يلتبس في وقت عليهم، أو على غيرهم، أو يتشككوا في صحتها.

الثاني: أن الضعيف يكتب حديثه ليعتبر به أو يستشهد، ولا يحتج به على إنفراده.

الثالث: رواية الراوي الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل، فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض وذلك سهل عليهم، معروف عندهم. وبهذا احتج سفيان رحمه الله، حين نهى عن الرواية عن الكلبي، فقيل له: أنت تروي عنه.! فقال:"أنا أعلم صدقه من كذبه".

الرابع: أنهم قد يروون عنهم أحاديث الترغيب والترهيب، وفضائل الأعمال، والقصص، وأحاديث الزهد، ومكارم الأخلاق، ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام، وسائر الأحكام.

وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه، ورواية ما سوى الموضوع منه، والعمل به لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع، معروفة عند أهله.

وعلى كل حال فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئاً يحتجون به على انفراده في الأحكام، فإن هذا الشيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين، ولا محقق من غيرهم من العلماء وأما فِعْلُ كثيرين من الفقهاء، أو أكثرهِم، ذلك، وِاعتمادهم عليه، فليس بصواب! بل قبيح جداًَ! وذلك لأنه إن كان يعرف ضعْفه لم يحلّ له أن يحتجّ به فإنهم متفقون على أنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام، وإنْ كان لا يعرف ضعفه، لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفاً، أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفاً" انتهى.