للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما قرر عز وجل أهمية الإيفاء وخصه بوصية تنويهاً بشأنه العظيم في إصلاح المجتمع فهذا النوع من التعامل الاجتماعي من أبرز ما يحصل به الاحتكاك بين أفراد المجتمع في حياتهم اليومية نوه سبحانه بالأساس الذي يقوم عليه أمر إيفاء الحقوق وهو العدل في كل شأن من شئون الحياة، ولعل ذكر القول هنا دون غيره إشارة إلى أن القول والتخاطب هو العامل الرئيسي في المعاملات، فأراد رب العزة والجلال أن يقرر أن وسيلة التعامل هذه يجب أن تكون مبنية على الأساس الذي يحفظ الحقوق وهو العدل فكما أن العدل واجب في الأفعال كالأوزان والمكاييل، فهو كذلك واجب في الأقوال التي تبنى عليها المعاملات بين أفراد المجتمع، لأن العدل أساس عظيم تصلح به شئون البشرية جمعاء، فالعدل أساس المدنيات، وركن تقوم عليه حضارة الأمة، وبه يشمخ البناء، وتعلو صروح الفضيلة في المجتمع، وهو أساس دوام الملك، والمحور الذي يرتكز عليه النظام الإنساني في كل ما يتعلق بحياة هذا المخلوق، فيقرر الرب سبحانه وتعالى أنه لا يجوز لمؤمن أَن ينتهك حمى العدل محاباة لقرابة، فضلاً عن المصالح الدنيوية التي تعادي منهج العدل وتنابذه، ونجد نبي الهدى صلى الله عليه وسلم يؤكد أن من الصفات المنجية تحقق العدل لدى المسلم على كل حال فيقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث منجيات؛ خشية الله تعالى في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى ..." الحديث [٥٠] . وقد فصل الله عز وجل هذا الأمر الموجز في آيتين مدنيتين فقال وهو أصدق القائلين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [٥١] والثانية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ