للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى إذا ما الصبح لاح عموده

فقال أبو بكر لأبي عمر: "أن الله القاضي قد أقر بالميت على الحال التي ذكرها وأدعى البراءة بما يوجبه، فعليه إقامة البينة".

فقال ابن سريج: "من مذهبي أن المقر إذا أقر قرارا وناطه بصفة كان إقراره موكولا إلى صفته".

فقال ابن داود: "للشافعي في هذه المسئلة قولان". فقال ابن سريج: "فهذا القول الذي قلته اختياري الساعة".

(٣) كان علي بن عيسى الوزير منحرفا عن أبي العباس بن سريج لفضل ترفعه، وتقاعده عن زيارته منصبا بالميل إلى أبي عمر المالكي القاضي لمواظبته على خدمته، ولذلك كان ما قلده من القضاء. وكانت في أبي عمر نخوة على أكفائه من فقهاء بغداد لعلو مرتبته، فحمل ذلك جماعة من الفقهاء على تتبع فتاويه حتى ظفروا له بفتوى خالف فيها الجماعة وخرق الإجماع. وأنهى ذلك إلى الخليفة والوزير فعقدوا مجلسا لذلك. وكان فيمن حضر أبو العباس بن سريج. فلم يرد على السكوت. فقال له الوزير: "ما تقول في ذلك". فقال: "ما أكاد أقول فيهم، وقد ادعوا عليه خرق الإجماع، وأعياه الانفصال عما اعترضوا به عليه، تم أن ما أفتى به قول عدة من العلماء وأعجب ما في الباب أنه قول صاحبه مالك رضي الله عنه، وهو مسطور في كتابه الفلاني"فأمر الوزير بإحضار ذلك الكتاب. فكان الأمر على ما قاله. فأعجب به غاية الإعجاب، وتعجب من حفظه لخلاف مذهبه، وغفلة أبي عمر عن مذهب صاحبه، وصار هذا من أوكد أسباب الصداقة بينه وبين الوزير. ومازالت عَناية الوزير به حتى رشحه للقضاء فامتنع أشد الامتناع. فقال: "إن امتثلت ما مثلته لك وإلا أجبرتك عليه". قال: "افعل ما بدا لك". فأمر الوزير حتى سمر عليه بابه، وعاتبه الناس على ذلك. فقال: "أردت أن يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب الشافعي عومل على تقلد القضاء بهذه المعاملة وهو مصر على إبائه زاهد في الدنيا".

وهذا الأمر يمكن أن يكون في أخر حياته إذ أنه ذكرت كثير من المصادر أنه تولى القضاء بشيراز.