للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما إذا كانت المصلحتان المتعارضتان في رتبة واحدة كما لو كان كلاهما من الضروريات أو الحاجيات أو التحسينات فينظر، فإن كان كل منهما متعلقاً بكلى على حدة جعل التفاوت بينها حسب تفاوت متعلقاتها فيقدم الضروري المتعلق بحفظ الدين على الضروري المتعلق بحفظ النفس وهكذا ...

أما إذا كانت المصلحتان المتعارضتان متعلقتين بكلى واحد كالدين أو النفس أو العقل فينظر إليهما من حيث شمولهما للناس فيقدم أعم المصلحتين شمولاً على أضيقهما في ذلك. فيقدم مثلاً الانشغال بتعليم شرعي على الانشغال بما وراء الفروض من نوافل العبادات، لأن الأول أشمل فائدة من الثاني. ومن هذا الباب قول الأصوليين:

أ - دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، مثاله: ما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا"وترجم له البخاري بقوله: "باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا" فترك مصلحة كثرة الوعظ والتعليم لدفع مفسدة النفور والفتور والسآمة.

ب - ويقولون: تتحمل أدنى المفسدتين لدفع أعظمهما، كما في قول الله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ... } (١) أي أن مفسدة صد المشركين عن سبيل الله، وكفرهم به وصدهم المؤمنين عن المسجد الحرام، وإخراجهم منه، أكبر من مفسدة قتالهم في الشهر الحرام، فتحتمل أدنى المفسدتين لدفع أكبرهما. فلا بأس بالقتال في الشهر الحرام في تلك الظروف.


(١) سورة البقرة آية: ٢١٧.