للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حاول خالد بذلك أن ينسي المسلمين كثرة الروم المخيفة، وأن يظهر المسلمين في حالة تدخل الرعب والفزع في عدوهم، ولكنه لم يلبث أن سمع رجلاً يقول: ما أكثر الروم وأقل المسلمين! فغضب خالد لما سمع وصاح مغضباً، بل ما أقل الروم وأكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان، والله لوددت أن الأشقر -يعني فرسه- براء من توجِّيه وأنهم أضعف في العدد، وكان فرسه قد حفي من مشيه بالمفازة (بادية الشام) [١٢] .

وخشي خالد أن تسري كلمة الرجل في صفوف المسلمين فتوهنهم، وتضعف مقاومتهم، فعجل بالمعركة ليشغل المسلمين بها بدلاً من أن يشغلوا عنها بالنظر في عددهم وعدد عدوهم.

لم ينس خالد أن يختار من جنوده من يتولى أمور المسلمين، فبعد أن نظم الكراديس واختار لها مهرة القواد، عين أبا الدرداء قاضياً، وأبا سفيان واعظاً، وجعل على الطلائع قباث بن أشيم، وعلى الأقباض عبد الله بن مسعود، وكان القارئ المقداد، يقول الطبري: "ومن السنة التي سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء -وهي الأنفال- ولم يزل الناس بعد ذلك على ذلك" [١٣] .

وقام أبو سفيان بدوره كواعظ للمسلمين خير قيام فقال وهو يمشي بين الكراديس: يا معشر المسلمين، أنتم العرب وقد أصبحتم في دار العجم منقطعين عن الأهل، نائين عن أمير المؤمنين وإمداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بإزاء كثير عدده، شديد عليكم حنقه وقد وترتموهم في أنفسهم وبلادهم ونسائهم، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم، ولا يبلغ بكم رضوان الله غداً إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، ألا وإنها سنة لازمة، وإن الأرض وراءكم، وبينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة المسلمين صحاري وبراري ليس لأحد فيها معقل ولا معول إلا الصبر، ورجاء وعد الله فهو خير معول، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا ولتكن هي الحصون.