قال الجمل:"والمعنى: وادعوا إلى المعارضة من حضركم أو رجوتم معونته من إنسكم وجنّكم وآلهتكم غير الله، فإنه لا يقدر على أن يأتي بمثله إلا الله ... أو ادعوا من دون الله شهداء يشهدون لكم بأن ما أتيتم به مثله، ولا تستشهدوا بالله، فإن الاستشهاد به من عادة المبهوت العاجز عن إقامة الحجة أو شهداءكم الذين اتخذتموهم من دون الله آلهة وزعمتم أنها تشهد لكم يوم القيامة"[٣] .
وفي أمرهم بدعوة أصنامهم وهي جماد، وفى تسميتها شهداء مع إضافتها إليهم مع أنها لا تعقل ولا تنطق، في كل ذلك أقوى ألوان التهكُّم، لكي يثير في نفوسهم من الألم ما قد يكون سبباً لتنبيههم إلى جهلهم، وانصرافهم عن ضلالهم.
وقوله تعالى:{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} جملة معترضة في آخر الكلام, وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام السابق دلالة واضحة حتى صار ذكره في نظم الكلام مما ينزل به عن مرتبة البلاغة. والمعنى: إن كنتم صادقن في زعمكم أنكم تقدرون على معارضة القرآن فأتوا بسورة من مثله. وادعوا آلهتكم وبلغاءكم وجمع البشر ليعينوكم أو ليشهدوا لكم أنكم أتيتم بما يماثله في حكمة معانيه وحسن بيانه.
وفى هذه الآية الكريمة إثارة لحماستهم، إذ عرّض بعدم صدقهم، فتتوفر دواعيهم على المعارضة التي زعموا أنهم أهل لها.
ثم قال تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} .
والمعنى: فإن لم تفعلوا أي: تعارضوا القرآن، وتبيّن لكم أن أحداً لا يستطيع معارضته، فخافوا العذاب الذي أعده الله للجاحدين وهو النار التي وقودها الناس والحجارة.