للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* وثالثها: أن الضمير لو كان عائداً إلى القرآن لاقتضى كونهم عاجزِين عن الإتيان بمثله سواء اجتمعوا أو انفردوا, وسواء أكانوا أمّيين أو عالمين، أما لو كان عائداً إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فذلك لا يقتضي إلا كون آحادهم من الأمّيين عاجزين عنه، لأنه لا يكون مثل محمد إلا الشخص الأمي، فأما لو اجتمعوا وكانوا قارئين لم يكونوا مثل محمد؛ لأن الجماعة لا تماثل الواحد، والقارئ لا يكون مثل الأمي، ولاشك أن الإعجاز على الوجه الأول أقوى.

* ورابعها: أننا لو صرفنا الضمير إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - لكان ذلك يوهم أن صدور مثل القرآن ممن لم يكن مثل محمد في كونه أمياً ممكن، ولو صرفناه إلى القرآن لدلّ ذلك على أن صدور مثله من الأمي ومن غير الأمي ممتنع فكان هذا أولى [٢] .

وقوله تعالى: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} معطوف على قوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} .

وادعوا: من الدعاء، والمراد به هنا: طلب حضور المدعو أي نادوهم.

وشهداءكم: أي: آلهتكم، جمع شهيد وهو القائم بالشهادة، فقد كانوا يزعمون أن آلهتهم تشهد لهم يوم القيامة بأنهم على حق. وقيل: الشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو الناصر أو الإمام، وكأنه سمي به لأنه يحضر المجالس وتبرم بمحضره الأمور.

ودون: بمعنى غير، وتطلق في أصل اللغة على أدنى مكان من الشيء، ومنه تدوين الكتب لأنه إدناء البعض من البعض، ودونك هذا أي: خذه من أدنى مكان منك، ثم استعير للتفاوت في الرتب فقيل: زيد دون عمرو أي: في الشرف، ومنه الشيء الدون، ثم اتسع فيه فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد، وتخطي أمر إلى أمر.