وهذه الأقوال تُبيِّن أنّ جميع الإنس والجن مقرُّون بالخالق معترفون به، خاضعون لعبوديته طوعاً وكرهاً، وهذا يقتضي أنّ هذه المعرفة من لوازم نشأتهم لا ينفك عنها أحد منهم، وبه يعلم أن أصل الإقرار بالله تعالى، والاعتراف به ربّاً مستقر في قلوب جميع الإنس والجن، وأنه من لوازم خلقهم، ضروري فيهم، وإن قدر أن الإقرار بالرب تعالى أنه يحصل بسبب يعرض للإنسان في حياته فهو في الحقيقة يظهر بذلك ويبرز، وهذا والله أعلم هو الإقرار والشهادة المذكورة في قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}(الأعراف: ١٧٢- ١٧٣) . وشهادة المرأ على نفسه في القرآن يراد بها إقراره، فمن أقر بحق عليه فقد شهد به على نفسه كما قال تعالى:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْر}(التوبة: ١٧) ؛ لأنهم كانوا مُقرِّين بما هو كفر، فصار ذلك شهادة منهم على أنفسهم, وقال تعالى:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}(الأنعام: ١٣٠) , فشهادتهم على أنفسهم هو إقرارهم على أنفسهم.