للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الشقي المعذَّب من لم يسلك لا هذا ولا هذا كما قال أهل النار: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:١٠) , وقال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج: ٤٦) .

والإلحاد يعرض لكثير من الناس، ويتبناه بعضهم إما ظاهراً دون باطن كحال فرعون ونحوه من المجرمين، وإما باطناً وظاهراً كحال ملاحدة اليوم.

والإلحاد لا يمنع أن تكون معرفة الله مستقرة في الفطرة، ثابتة بالضرورة؛ لأن إنكار وجود الله تعالى حال تعرض لكثير من الناس عمداً أو خطأ واغترارا، مع أن كثيراً من الناس قد ينازع في كثير من القضايا البديهية، والمعارف الفطرية، من الحسيات والحسابيات، والإلهيات، ومن تأمل ما يذكره أصحاب المقالات في العلوم المختلفة رأى عجائب وغرائب، فمن الطرائف في هذا ما ذكر أن رجلاً صنّف كتاباً في نفي العلوم فمات له ولد قد قارب الحلم فقال: أسفت لموت ولدي قبل أن يقرأ كتابي، فقيل له: وما يدريك أنه كان لك ولد، وأنه مات، وأنه لم يقرأ كتابك، وما يدريك أنك موجود وأنك صنفت كتاباً فلم يدر ما يقول.

وبنو آدم لا ينضبط ما يخطر لهم من الآراء والإرادات، فإنهم جنس عظيم التفاوت، فليس في المخلوقات أعظم تفاوتاً وتفاضلاً منهم، فخيارهم خير المخلوقات أومن خيرهم، وشرارهم أشر المخلوقات كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف: ١٧٩) .