للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشاطبي: "وكذلك أخذ من أخذ منهم بالمرسل ليس إلا من حيث ألحق بالصحيح في أن المتروك ذكره كالمذكور والمعدل فأما ما دون ذلك فلا يؤخذ به بحال عند علماء الحديث".

والاحتمال الثاني: أنهم أرادوا بتفضيل الحديث الضعيف على القياس الفاسد لأن الحديث وإن كان ضعيفاً لا بد من وجود نسبة في احتمال ثبوته وإن قلّت، لكن لا نستطيع أن نحكم بها لضعف سنده ولتجرده من القرائن والضمائم التي تقويه، وأما القياس الفاسد فبخلاف ذلك.

وذكر الشاطبي وملا علي القاري: "بأن المراد بالقياس الذي ورد تفضيل الحديث الضعيف عليه في كلام أحمد القياس الفاسد الذي لا أصل له من كتاب ولا سنة ولا إجماع".

فظهر بهذا أنهم لم يقولوا بالعمل الحديث الضعيف المعروف بهذه الصفة، وإذا لم يحتمل قولهم أحد الاحتمالين فهو قول مجتهد كما قال الشاطبي والجواب عن هذا أنه كلام مجتهد يحتمل اجتهاده الخطأ والصواب، إذ ليس له على ذلك دليل يقطع العذر، وإن سلم فيمكن حمله على خلاف ظاهره، لإجماعهم على طرح الضعيف الإسناد، فيجب تأويله على أن يكون أراد به الحسن السند وما دار به على القول بأعماله، أو أراد خيراً من القياس.

كما أن في نسبة القول بتقديم الحديث الضعيف على القياس إلى أبي داود شك، وقد تشكك فيه الحافظ ابن حجر.

فإن قيل إذا كان الأمر كذلك يعني أنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف فلماذا روى الأئمة الأحاديث الضعيفة في كتبهم كمالك في الموطأ، وابن المبارك وأحمد في الرقاق، وسفيان في جامع الخير وغيرهم فقد سبق الجواب عنه في حكم رواية الحديث الضعيف.

وأما من قال بالعمل به في الفضائل والترغيب والترهيب فغير متجه، لأن فضائل الأعمال والترغيب من قسم المندوب، وهو من الأحكام كما هو معلوم. وقد مضى بيان حكم العمل بالحديث الضعيف في الأحكام، كما أنه يتضمن الأخبار عن الله عز وجل في الوعد على ذلك العمل بالإثابة والأخبار بالعقوبة المعينة.