٣- ما لا يقتضي تأكيداً ولا توثيقاً ولكنه مع ذلك لا يقتضي رفع المقاصد الأصلية ولا إزالتها عيناً فهذا لا يصح في العبادات، وأما صحته في العادات فللنظر فيه مجال؛ فمن قال بالصحة نظر إلى أنه يجوز حصول الربط والتوثيق بعد التسبب، ومن قال بعدم الصحة نظر إلى أنه لا يقتضي تأكيد المقاصد الأصلية، وقصد الشارع التأكيد فلا يكون ذلك التسبب موافقاً لقصد الشارع فلا يصح.
الجهة الرابعة: مما يعرف به مقاصد الشارع السكوت عن شرع الحكم مع قيام المعنى المقتضي له، فإن ذلك يدل على قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان موجودا قبل فإذا زاد زائد ظهر أنه مخالف لقصد الشارع فيرد عليه ما أحدث، أي يعتبر من قبيل "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وبيان ذلك أن سكوت الشارع عن الحكم على ضربين:
أحدهما: أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقرر لأجله كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها.
وما أحدثه السلف الصالح راجع إلى هذا القسم كجمع المصحف وتدوين العلم، وما شابه ذلك مما لم يجر له ذكر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من نوازل زمانه. ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعاً بلا إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل.