الجهة الثالثة: إن للشارع في شرع العبادات والعادات مقاصد أصلية ومقاصد تابعة وقد دلنا تتبع النصوص وظواهرها وإشاراتها واستقراء معانيها النظرية أن الشارع لم يشرع من الأسباب العادية والعبادية الموصلة إلى المقاصد التابعة إلا ما عاد من تلك المقاصد على المقاصد الأصلية بالتوثيق والإحكام والتقوية والربط، فاستدللنا بذلك على أن ما كان من تلك الأسباب كذلك مما لم ينص عليه فهو موافق لمقاصد الشارع، وما كان منها مؤديا إلى إبطال المقاصد الأصلية منها وإزالتها فهو مناقض لمقاصد الشارع.
فالتسبب إلى تلك المقاصد التابعة مشروع في الأول وغير مشروع في الثاني.
ومثال ذلك: النكاح فإنه مشروع للتناسل بالقصد الأول ويليه طلب السكن والازدواج والتعاون على المصالح الدنيوية والأخروية من الاستمتاع بالحلال والنظر إلى ما خلق الله من المحاسن في النساء والتجمل بمال المرأة أو قيامها عليه وعلى أولاده منها أو من غيرها أو إخوته والتحفظ من الوقوع في المحظور من شهوة الفرج ونظر العين والازدياد من الشكر بمزيد النعم من الله على العبد وما أشبه ذلك فجميع هذا مقصود الشارع من شرع النكاح بالقصد الثاني، فمنه منصوص عليه أو مشار إليه، ومنه ما علم بدليل آخر، ومسلك استقرىء من ذلك المنصوص... فحاصل الجهة الثالثة التي يعرف بها مقاصد الشارع أن المقاصد التابعة للمقاصد الأصلية على ثلاثة أقسام:
١- ما يقتضي تأكيد المقاصد الأصلية وتوثيقها وتقوية الرغبة فيها فلا شك أنه مقصود للشارع، فالقصد إلى التسبب إليه بالسبب المشروع موافق لقصد الشارع فيضخ.
٢- ما يقتضي زوال المقاصد الأصلية عيناً فلا (شك) أيضاً من أن القصد لها مخالف لمقصد الشارع عيناً فلا يصح التسبب بإطلاق، ولا فرق في القسمين بين العبادات والعادات.