أحدها: الأمر والنهي الواردان عن الشارع فالأمر يقتضي حصول المأمور به من المكلف، فوقوعه عند وجود الأمر به مقصود للشارع، وعدم إيقاعه مخالف لمقصوده وكذلك النهي يقتضي الكف عن الفعل المنهي عنه. فعدم وقوع الفعل المنهي عنه مقصود للشارع وإيقاعه مخالف لمقصوده.
فهذا وجه ظاهر عام لمن اعتبر مجرد الأمر والنهي من غير نظر إلى علة ولمن اعتبر العلل والمصالح.
الجهة الثانية: اعتبار علل الأمر والنهي ولماذا أمر الشارع بهذا الفعل، ولماذا نهى عن الفعل الآخر؟ ثم العلة إما أن تكون معلومة أو لا؛ فإن كانت غير معلومة فلابد من التوقف عن القطع على الشارع أنه قصد كذا وكذا حتى يدل دليل على ذلك القصد، وإن كانت العلة معلومة اتبعت، فحيث وجدت وجد مقتضى الأمر والنهي من قصد الشارع إلى إيقاع الفعل في الأمر، وعدم إيقاعه في النهي كالنكاح لمصلحة التناسل والبيع لمصلحة الانتفاع بالمعقود عليه والحدود لمصلحة الازدجار، وتعرف العلة هنا بمسالكها المقررة في أصول الفقه، فإذا تعينت علم أن مقصود الشارع ما اقتضته تلك العلل من الفعل أو عدمه.
ويغلب على باب العبادات جهة التعبد، وعلى باب العادات جهة الالتفات إلى المعاني، والعكس في البابين قليل، ومن أجل هذا لم يلتفت مالك رحمه الله في إزالة الأنجاس ورفع الأحداث إلى مجرد النظافة حتى اشترط الماء المطلق فيهما، واشترط لرفع الأَحداث النية وإن حصلت النظافة بدونها، ومنع من إقامة غير التكبير والتسليم في الصلاة مقامهما، ومنع من إخراج القيم في الزكاة، واقتصد على مجرد العدد في الكفارات، إلى غير ذلك من المسائل التي تقتضي الإقتصار على عين المنصوص عليه أو ما ماثله، وغلَّب في باب العادات المعنى فقال فيها بقاعدة المصالح المرسلة، والاستحسان الذي قال فيه إنه تسعة أعشار العلم إلى ما يتبع ذلك.