وقد أجمل الشاطبي في كتابه الفريد في بابه ما ذكرناه فقال:"لا يمكن إقامة دليل في الشريعة على إبطال كل حيلة كما أنه لا يقوم دليل على تصحيح كل حيلة، وإنما يبطل منها ما كان مضاداً لقصد الشارع خاصة وهو الذي يتفق عليه جميع أهل الإسلام، ويقع الاختلاف في المسائل التي تتعارض فيها الأدلة "[٤٨] .
الفصل ال ر ابع
في كيفية معرفة مقاصد الشارع:
سبق وأن قدمنا أن الحيل الجائزة هي التي لا تناقض مقاصد الشارع والحيل المحظورة هي التي تناقض مقاصد الشارع، وحينئذ لابد من إعطاء الفهم الصحيح والبيان الكافي لبيان الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة هذه المقاصد حتى نستطيع أن نعطي كل حيلة ما يناسبها من الحكم.
وإليك ملخص ما قاله الشاطبى في كتابه الموافقات في هذا الصدد قال:"الراسخون من أهل العلم على أن مقاصد الشارع تعرف من ألفاظ النصوص ومعانيها النظرية جميعاً فينبغي أن ينظر إلى الألفاظ على وجه لا يخل بالمعنى وإلى المعاني على وجه لا يخل بالألفاظ لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض ".
ومن زعم أن مقاصد الشارع لا تؤخذ إلا من ألفاظ النصوص وظواهرها كالظاهرية أو لا تؤخذ إلا من المعاني النظرية. وإن عادت على الظواهر والنصوص بالتعطيل والإلغاء كما هو رأي المتعمقين في القياس المقدمين له على النصوص، من زعم هذا أو ذاك فقد غلا في جانب الإفراط والتفريط ونظر إلى جانب من الشريعة دون جانب، وذلك بُعْدٌ عن الصراط المستقيم.
فالصواب الذي عليه أكثر العلماء اعتبار الأمرين جميعاً على وجه لا يخل فيه المعنى النظري بالنص، ولا النص بالمعنى النظري وعلى هذا المذهب وحده الاعتماد في تقرير الجهات التي يعرف بها مقاصد الشارع فنقول وبالله التوفيق.