للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأحاديث الصحيحة ترد عليهم، وليس لهم عنها جواب سديد، فإنهم ما بين مؤول لها على خلاف ظاهرها أو معارض لها بنص عام أو مطلق، وليس المقام هنا مقام بسط هذه المسألة، ولكن تقرير أن هذا حق أعطاه الشارع للمتبايعين مادام في مجلس العقد، ولا يجوز إسقاط هذا الحق، والحكمة فيه ظاهرة وهو أنه قد يتعجل أحدهما في البيع والشراء فيقدم عليه بلا ترو ولا تبصر فأعطاه الشارع هذا الحق ليتدارك ما عسى أن يكون قد غاب عنه، فإذا عمد أحدهما إلى مفارقة صاحبه قاصداً إسقاط حقه في خيار الفسخ فقد ضاد الشارع في تشريعه، وسعى في مضارة أخيه المسلم، لذلك حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا الصنيع بقوله: "ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله "، وهذه المفارقة تعتبر في الحقيقة حيلة على إسقاط خيار المجلس، ووجه كونها حيلة أن ظاهرها المفارقة لقضاء مصالحه وباطنها الإضرار بأخيه المسلم فلم ينظر الشارع إلى ظاهر هذه الوسيلة ولكنه نظر إلى حقيقتها فحرمها.

٧- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر " [٩٨] .

اعلم أولا أن الفقهاء مختلفون في العمل بحديث التصرية، فقد أخذ الجمهور بحديث التصرية وعملوا به، وخالفهم الحنفية فلم يعملوا بهذا الحديث [٩٩] .

ثم اختلف الذين أخذوا بالحديث هل يتعين التمر أم لا؟

فقال كثير منهم: يتعين، وقال بعضهم: لا يتعين بل يخرج من غالب قوت أهل البلد ولا يختص ذلك بالتمر، وهذا كما قال ابن القيم رحمه الله أقرب إلى قواعد الشريعة وإلا فكيف يكلف من قوتهم السمك أو الذرة أو الأرز أن يدفعوا تمرا ولا يجدونه، وأما حكمة التقييد بصاع من تمر فلأنه كان غالب قوت أهل المدينة والعرب عموما [١٠٠] .

وكان رد الحنفية لحديث المصراة لسببين: